الحشمة .. بين الأمس واليوم

 

 

كنت ومازلت حريصا على اقتطاع جزء بسيط من وقتي الثمين خلال الشهر واجعله رهن تصرف جدتي الطاعنة بالسن  فانقلها بسيارتي المتواضعة لزيارة الاقارب والمحبين  مرورا بالزحام المروري والفسحات البينية  تاركا لها فرصة الحديث عن ما يختلج في داخلها من هواجس وما تؤشره من ملحوظات لاحداث قريبة وبعيدة فتنفس عن حزنها الذي اثقلته سنين عمرها المديد تارة  وترسم ابتسامة هادئة حينما تشدها الذاكرة الى زمن عرسها وايام بذرها البنين والبنات تحت رعاية حبيبها شريك عمرها (رحمه الله) …

لقد مررت من امام احد اسواق بيع الملابس النسائية في بغداد فطلبت مني ايقاف سيارتي راغبة بدخول السوق  وفعلا استأذنت من رجل الحرس الوطني  فسمح لي بذلك …

 دخلنا السوق وهي تتنقل ببصرها بين الموديلات الصارخة والمثيرة والهادئة من بدلات السهرات والاحذية المختلفة الاشكال والالوان واخرى ملابس داخلية بعضها شفاف جدا بقماشته الناعمة والاهتمام بنقش نسيجه وصوره المثيرة ولم تلبث الا قليلا وطلبت مغادرة السوق وهي غاضبة …

وحين استقرت الى جانبي وانا اقود السيارة ببطء شديد  سالتها عن ماالذي اغضبها في السوق  فاشارت الى ما شاهدته من جرأة بعض البنات وهم يمسكن بالملابس الداخلية ويمطن قماشتها دون خجل من المتبضعين وعامل المحل  فحاولت تهدئتها وافهامها بان هذا شيء طبيعي  ولكنها اصرت على انه فعل مخالف للحشمة  ورفدت رأيها باستذكار حقيقة لم انتبه اليها  حيث سالتني قائلة :

انت الآن في مرحلة الرجولة وعشت في غرفتي وسكنت داري لعقود من الزمن  هل رأيت يوما ملابسي الداخلية منشورة بعد غسيلها على سطح المنزل  وهل لمحت انت او اي من اخوتك الاشقاء لون او حجم تلك الملابس  التي حرصت بشدة على شرائها بتكتم واخفائها تحت الملابس على حبل الغسيل والاكثر من هذا ان جميع ملابسي التي كنت اغسلها بيدي اضعها تحت الشمس لتجف ولكن في زاوية لا تقع تحت نظر الجيران بالرغم من كون جيراننا لا يمكن ان يختلس ابنهم النظر الى سطح داري فالجميع متفـــــــــق على العيــــــب والحلال والحرام في زماننا …

اردت ابعادها ولو قليلا عن الجو النفسي الذي وضعت نفسها بين قضبانه  فرحت اشرح لها  ان الزمان قد تغير ودخلت عليه وسائل الاتصال والتكنولوجيا  فصار العالم قرية صغيرة يتبادل فيهنضح الحضارة بين الشعوب  مؤكدا لها بان الشرق والغرب يبحث في كل يوم عن الجديد  ولكنها لم تهتم لكل هذا واكدت بان التفسخ هو الذي يعمم اليوم  وان بعض النساء لا يخجلن من نشر غسيل ملابسهن الداخلية والخارجية عند شرفات الشقق والمنازل وفي سطوح مساكنهن التي يطلق عليها اصطلاحا واطئة الكلفة فتصبح منظرا سهلا لمن يود المشاهدة المجانية…

ضحكت لهذا في داخلي  وسألت نفسي عن شكل موقفها لو توفرت لها فرصة الدردشة وعلمت بما في بطن الانترنت والتويتر والفيس بوك من صور مخلة بالاداب العامة ومخرشة للحياء وافلام ( ثقافية ) تصل الى الشباب في قعر دورهم الموشحة بالكتب الدينية عبر حاسوب مربوط بالانترنت وحين تمعنت بسؤالي وبحثت عن جوابه حزنت لحالنا وما سيؤول اليه شان اولادنا وبناتنا في عالم تضيع فيه القيم ويضعف الايمان في النفوس القلقة … !!