الطابور الخامس و زيارة العبادي لواشنطن

 

أعظم المصائب و أشد البلايا في اي بلد في العالم هو وجود طابور خامس يدين بالولاء السياسي او العاطفي او الديني وغير ذلك من الولاءات لدولة او جهة خارج وطنه و يعمل على ضرب الجبهة الداخلية للمجتمع من الداخل من خلال الضغط العالي و تنفيذ اهداف خاصة تهدف بالأساس الى اضعاف صلابة المجتمع و الدولة و العلاقة فيما بينهما فضلا عن تعزيز كل ما من شأنه تمزيق وحدة المجتمع و السيطرة عليه من وراء الستار فكريا و وجدانيا عبر عديد الاساليب و الطرق .

 

دول كثير في العالم تعاني وجود طوابير كهذه، و بشكل اخص البلدان المتصدعة على صعيد الجبهة الداخلية الداعمة للدولة ككيان قادر على قيادة الوطن و الشعب الى بر الامان و تحقيق الأهداف المرجوة في مسيرة التحول الديمقراطي و التنمية و النهضة و الرفاهية، و من هذه الدول، بلدنا العراق، فالمتتبع لنشاط بعض جماعات الضغط و العنف المعنوي يلاحظ بشكل كبير اتساع هذا النشاط في هذه المرحلة خاصة مع قرب حسم معركة تحرير نينوى و قرب اجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد .

 

ففي الايام الاخيرة الماضية تفاعلت هذه الطوابير مع زبارة رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي لواشنطن بين مرحب بالزيارة و مخرجاتها و اخر رافض لهذه الزيارة و نتائجها .

 

عندما كان العبادي يهاجم السعودية و تركيا بسبب موقف هاتين الدولتين من القضية العراقية و لا يفعل ذلك مع إيران التي بشكل أو بآخر لها نفوذ هائل في العراق ‘ كما هو الحال مع السعودية و تركيا وأمريكا ‘، كان بعض من ينتمون إلى الطابور الخامس يبجلون خطوات العبادي التصعيدية مع أنقرة و الرياض و يباركون التقارب مع طهران، لكن هذا التبجيل و تلك المباركة سرعان ما تحولت إلى اتهامات بالخيانة لدماء الشهداء و العمالة للغرب و الخليج مع زيارة العبادي الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب و أصبح العبادي في رمشة عين جزءا من منظمة السلطة الفاسدة و قطبا من أقطاب سرقة المال العام و شبلا من أشبال الإمبريالية الأمريكية و الطغيان الخليجي .

 

اما قبل زيارة العبادي لواشنطن فكان الطابور الخامس لمحور الرياض – أنقرة لا يتوانى عن إلصاق كل ما يمكن إلصاقه من اتهامات بالحكومة المركزية و قواتها المسلحة بارتكاب جرائم حرب في عمليات تحرير الأراضي العراقية من سطوة خفافيش الظلام ‘ داعش ‘ و اتهامها بالضعف و التبعية لنظام ولاية الفقيه في طهران فضلا عن الاتهامات الموجهة للعبادي و حزبه الحاكم بالفساد المالي و الإداري .

 

أما بعد زيارة العبادي، فأصبح في ليلة و ضحاها الشريك الأمثل للولايات المتحدة و حلفائها الاقليميين و شوكة في فم محور طهران – دمشق، و بات المرشح الأوفر حظا في الفوز بمنصب رئاسة مجلس الوزراء العراقي لفترة ثانية .

 

و هنا اقول موضحا، أنني لست هنا في صدد الدفاع عن العبادي و لا اتهامه، ” كذلك الحال مع طوابير الولاءات لواشنطن أو طهران أو الرياض و أنقرة ” بقدر ما اروم توضيح بعض النقاط المهمة التي تتعلق ببعض نشاطات الجيوش الالكترونية و الإعلامية في إطار الحرب الناعمة.