سقوط أمبراطوريـة

 

يجد المتتبع لقضايا وتاريخ الامبراطوريات في العالم من الامبراطورية الرومانية والبيزنطية والامبراطورية الفارسية والامبراطورية الاموية والامبراطورية العباسية ان كل منها لها بداية ولها صعود في القوه والسيطره الى ان تصل الى اعلى قمة في الهرم ثم تبدأ بالاضمحلال والنزول وفي جميع الاحوال تنتهي تلك الامبراطوريات نهاية غير سعيدة وهي السقوط والتفكك الى ان تصل الى مرحلة قتل الامبراطور باشنع قتل وسؤال اعرابي عن سبب سقوط الدولة الاموية فاجاب ان الدولة الاموية قربت اعداءها وابعدت اصدقاءها فكان هذا السبب هو السقوط وموضوعنا هذا اليوم هو الامبراطورية العثمانية ان الامبراطورية العثمانية منذ نشأتها على شكل امارة عام 1299 اخذت في التوسع والانتشار الى ان اعلنت الامبراطورية العثمانية عن انشاء دستور للدولة ومن المعلوم ان دين الدولة الاسلامية التي تطبق الديانة الاسلامية في كافة الاجراءات الادارية فتستند الى الشرع الاسلامي ويطلق عليه العثمانيون اصطلاح شرع شريف وهي الاحكام الشرعية المستقاة من كتب الفقه الاسلامي وهي كتب اتخذت المصادر الاصلية للحقوق الاسلامية اساسها ومبناها وقد طبقت الدولة العثمانية القانون العثماني الذي يطلق عليه قانون منيف ويعني مجموعة القوانين العثمانية التي تنقسم الى قسمين الاول وهو ما يتعلق بالمؤسسات الادارية وهو قسم لم يتغير عبر اربعة قرون الا في بعض تعديلات بسيطة وعمل به منذ زمن السلطان محمد الفاتح والقسم الثاني هو اساس القوانيون التي تقترب من خمسمئة قانون وتحتوي على الاحكام العامة المتعلقة بالامور العسكرية والمالية والجزائية للرعاية وطبقت الدولة العثمانية الشرع الاسلامي في كل الميادين التي نضمتها احكام الشريعة الاسلامية لذلك لم تجد الدولة العثمانية احتياجا” لتدوين دستور يجمع كل هذا في بوتقه واحده والاساس الذي تسير عليه مقلدة بالشرع الشريف وظهر كتاب اتراك ينفون صفة الاسلامية والدينية عن الدولة العثمانية مثل يلماض اوزاتانا في كتابه تاريخ الدولة العثمانية بقوله ( ان الدولة العثمانية ليست دولة دينية فهي كي تكون دينية يجب ان تتكون من المسلمين فقط وان تاخذ نظامها من الشريعة فقط كذلك النظام الذي يسمية النظام السلطاني او الخاقاني ) وهو نظام تري قديم يمكن به تشريع احكام لاتوجد في الشريعه لوضع قوانين باسم الخاقان لحماية مصالح الدولة كذلك مصالح الدين العليا بشرط الا تكون متعارضة مع الشريعة وفي اسطنبول عام 1876 عقد مؤتمر الترسانة الذي شارك فيه سفراء الدول مع مندوبي كل الدول المشاركة فيه المقام في نظارة البحرية بترسانة الخليج وانتهز الصهيوني مدحت باشا في هذه الفترة باعداد لائحة الدستور هو واعوانه من الصهاينة واعتقد مدحت ان الحل الذي يواحه فيه الشعب التركي الازمة هو اعلان الدستور ولم يحترم مدحت باشا افكار الاخرين فنادى بالغاء الخلافة الاسلامية وتحويل السلطان الى موظف اداري حيث ادعى ان الرعايا المسيحيين في الامبراطورية يتعرضون للظلم وكذلك اليهود وعلل كلامه بان هذه الامور هي السبب في تدخل اوربا المستمر تجاه الدولة العثمانية ولا يمكن حل هذه التدخلات الا اذا وضع الدستور الذي سوف يضع حدودا لسلطات السلاطين حيث وصف مدحت باشا ان كل المصائب التي حلت على الدولة العثمانية تسبب فيها السلاطين العثمانيين بعد مؤتمر الترسانة ظهرت مجموعة مكونة من اربعمئة شخص معظهم من الصهاينة خططوا لعزل السلطان عن العرش واعلان الدستور وتولى هذه المسؤولية الصهيوني مدحت باشا الصدر الاعظم وتشكل الدستور من 144 مادة وكان مدحت باشا قد وضع مجموعة من النقاط في المرسوم الذي وضع صيغته تتضمن تسمية الصدر الاعظم رئيسا” للوزراء اقتدائا” بالحكومات الدستورية في اوربا وتوسيع صلاحيات هذا المنصب وجعله بعيدا” عن سيطرة القصر العثمانية مستقلا” عن نفوذ السلطان بعض الاستقلال لان الصدر الاعظم كان مسؤلا” امام السلطان فقط ينصب ويعزل بامره فقط بينما رئيس الوزراء في الحكومات التي تعتمد على الدستور يكون مسؤلا” قبل كل شي امام الشعب الممثل باشخاص نوابه وعزله ونصبه متوقفا” على ثقة البرلمان ويشكل الدستور حيث اباح باستعمال لغة الاقليات في المناطق الى جانب اللغة التركية ويخضع الدستور لضمان الدول الكبرى ومن حق السلطان ان ينفي اي شخص دون محاكمة واخذ مدحت باشا هذه السابقة لمصلحته وليس لمصلحة السلطان وينفي بموجبها قاضي العسكر ومدير اوراق الباب العالي ونفى كل من يعارض الدستور بدون محاكمة حيث نفى عشرين رجلا” مسلما” من رجال الدولة عارض السلطان عبد الحميد اتخاذ لغات رسمية اخرى غير التركية ونفى دون محاكمة واراد مدحت باشا ان يجمع في يديه بعض الصلاحيات الادارية الدستورية فاتى ببعض النصوص الدستورية التي تنادي بابقاء الدولة العثمانية وذلك لتوسيع نفوذه لكي يسيطر على زمام امور الدولة منها مدينة اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية وتؤول السلطنة العثمانية الى الابن الاكبر طبقا” للاصول القديمة في سلالة عثمان بصفتها العائلة الحائزة على الخلافة الاسلامية الكبرى وقد حضره السلطان باعتباره حامي الدين الاسلامي وحاكم الرعاية المسلمين جميعا” ولما تلقى السلطان عبد الحميد كتاب مدحت باشا بشأن الدستور عقد السلطان جلسه نهائية لتدقيق مواد الدستور لاخر مرة على ان تكون خاتمة الجلسات وحاول الوزراء الموالون للسلطان معارضة الدستور ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك والقى مدحت باشا خطابا على الجمهور في اسطنبول يذكر فيه الاسباب التي دعت الى اعلان الدستور وقال عبارته التي اثارت قلق السلطان اننا لم نخلع السلطان عبد العزيز الا طمعا” في الوصول الى هذه الغاية المقدسة ولم يكتف مدحت باشا بذلك فبدأ يخطو خطوات في سبيل توطيد دعائم سلطته فعلى سبيل المثال كان يشجع طلاب الكليات المؤيدين للحرب على القيام بالمظاهرات في الشوارع حتى انه كان يحلم بكرسي السلطنه لدرجة انه قد تلفظ بكلمات وهو مخمور في احدى الخانات يقول فيها سوف يحل ال مدحت محل ال عثمان في السلطنة وقد ذكر الشاعر كاظم باشا عدم مبالاة مدحت باشا بالسلطان وتحديه للشعب التركي حيث قال ( قال بكل العجب بين اعوانه ليسود حكم ال مدحت على الشعب قليلا” وكان يظن مدحت باشا بعد وضعه للدستور ان الامة كلها تدعمه وكان يؤمن بان السلطان اذا عزله فستعيده الامة التركية الى مقام الصدر الاعظم واندلعت ثورة عارمة عام 1908 تطالب باعلان الدستور قادها اعضاء جمعية الاتحاد والترقي وخرج الجيش من سولانيك مهددا” بالتقدم نحو العاصمة اسطنبول واحتل الجيش دار البرق وهيئة الاتصالات وابلغوا الحكومة بضرورة اعلان الدستور وقد حاول السلطان عبد الحميد ان يقف ضد هذه الثورة عن طريق جيشه في البانيا ولكنه عدل عن هذا القرار خوفا” من تدخل الدول الاوربية الكبرى التي كانت تؤيد اهداف الثورة وتقف بجانب جمعية الاتحاد والترقي الماسونية واعلن الدستور بسبب ضغط مدحت باشا الصهيوني الذي جعل كل من انكلترا وفرنسا ان تتدخل في قيام الثورة وبمساعدة جمعية الاتحاد والترقي الصهيونية وبينت فرنسا وانكلترا انهما السبب في قيام الثورة في تركيا لاهدافهم في الشرق وزاد النفوذ الصهيوني في شؤون الدولة العثمانية بعد اعلان الدستور وبدأت الهجرة الصهيونية الى فلسطين مع الغاء القيود التي كانت مفروضة عليهم من الدولة العثمانية وبدأ النفوذ الاقتصادي والسياسي يزداد لدى لاصهاينة وخاصتا” في اسطنبول بعد تدفقهم اليها وهيئوأ الاجواء من اجل الاطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني وفي عام 1908 استطاع فكتور جاكوبسن رئيس مكتب المنظمة الصهيونية في اسطنبول كسب ثقة المانيا حيث تمكن هذا الصهوني عن طريق النفوذ الالماني من تسهيل الهجرة الى فلسطين ومراقبة مايحدث لهم وتعاون معه جميع الصهاينة في تركيا وبعد اعلان الدستور عام 1876 تشكل اول مجلس برلماني واجتمع لاول مرة يوم 19 اذار 1877 وكان المجلس مكون من 120 نائبا” منهم 71 نائبا” مسلما” 49 نائبا” يهوديا” ومسيحيا” وارمنيا” والنواب المسلمون ينتسبون الى عناصر عرقية مختلفه وبعد اعلان الدستور استقلت عن الدولة العثمانية كل من بلغاريا وكريت التي انضمتا الى اليونان وفي 1908 استقلت البوسنه والهرسك ودبر الجيش حادثة سميت بحادثة 31 اذار ثم نسبوها الى السلطان عبد الحميد قالوا انه اراد ان يجعل البلاد في ثورة وخلافات ويحارب رجال جمعية الاتحاد والترقي واخذ الجيش ذريعه للتحرك لعزل السلطان عبدالحميد الثاني وندبوا لابلاغة بقرار العزل وفدا” مكونا” من اربعة اشخاص لم يكن منهم تركيا” واحدا” منهم ارمني والباني وجورجي وصهيوني اتهم الاتحاديون جمعية الاتحاد الترقي الصهيونية السلطان عبد الحميد بتهم ثلاث التي تسبب في وقوع 31 اذار تحريف الكتب الدينية وحرقها الاسراف في النفقات في خزينة الدولة وأنعقد مجلس النواب في 27 نيسان عام 1909 لاقتراح خلع السلطان للاسباب المذكورة ولقى هذا الاقتراح قبولا” من اعظاء المجلس و رواء ان يكون ذلك بفتوا شرعية تدعمه ودعى الحاج نوري افندي امين الفتوى لقراءتها في المجلس لكنه بعد قرائتها رفض التوقيع عليها قان انها تهم باطلة وتمكن احد نواب الاتحاديين من الوقيع على الفتوى من شيخ الاسلام محمد زياد شمس الدين افندي وانتشر الصهاينة في تركيا وفي جميع انحائها لان بنود الدستور تنص على منح القليات أي منصب في مؤسسات الدولة وان ممتلكات الاقليات لن تتعرض لاي ضرر ويحق لهؤلاء العمل في الوضائف الحكومية والالتحاق بالمدارس الحكومية سواء كانت مدنية او عسكرية وتاسيس مدارس خاصة كما تم الغاء ضريبة الجزية على غير المسلمين وفي بداية القرن العشرين كان الصهائنة يسجلون اراضيهم وممتلكاتهم في المحاكم الشريعة الاسلامية في تركيا على انها اوقاف مقدسة لهم وكانت نتيجة هذه القوانيين فتح باب امام الصهاينة الاتراك لشراء اراض في فلسطين ويخاطب احد افراد من الطائفه الصهيونية الحاخام حاييم ناحوم قائلا” كنا نشعر بالسعادة اذا طبقت قوانين الدستور على كل صهاينة الدولة العثمانية وليس فقط صهاينة تركيا وأسست مدارس حديثة في اسطنبول خاصة بالطائفه وحصلت الطائفة على مساعدات من عائلة روتشيلد لانشاء مدارس وقد بادر الصهاينة الى ظهور فكر الطوراني الذي يدعو الى القومية الطورانية في الدولة العثمانية ومن دعاة هذا الفكر قرانصوا ومائيز موهين وابراهام غلانتي وخالق فكرة القومية الطورانية الصحفي الصهيوني موئيز كوهين ومفهوم القومية الطورانية قيام دولة تركية طورانية تجمع اتراك العالم وهي في دولة واحدة والعمل على تتريك جميع البلدان التابعه للدولة العثمانية وهذا الفكر يهودي المنشأ وتهدف هذه الحركة الصهيونية الى التفرقة بين العرب والاتراك وكلمة الطورانية من طوران وهو موطن القبائل التركية الذي كانوا يعيشون في منطقة جنوب ايران وتطورت تلك الافكار الصهيونية نتيجة الاندفاع نحو هذه الافكار وحدث نفور من العرب واعلن اتاتورك انتهاء الخلافة العثمانية واعلن نهجه السياسي على اساس حكم الحزب الواحد وهي مبادى اتاتورك العلمانية ولما فاز الحزب الديمقراطي وكسب الرأي العام وحافظ على نجاحه قام الجنرال جمال كورسيبل بانقلاب ضد هذا الحزب بدعوى الخروج على تعاليم اتاتورك وبعد عام 1980 ظهرت مجموعة من الاحزاب في تركيا حزب الطريق المستقيم حزب الوطن الام الحزب الاجتماعي الشعبي الديمقواطي حزب الرفاه الاسلامي حزب الشعب الجمهوري حزب الديمقراطي الكردي حزب الحركة القومية ويظهر مما سبق بيانه ان سبب سقوط الامبراطورية العثمانية هو لعب الصهاينة في تعيين المسؤولين في الدولة التي ادت الى تغلغل الصهاينة ابتداء” من انشاء الدستور وتغلغل الاقليات في الجيش واجهزة الدولة وفي القرارات السياسية حتى ان مدحت باشا وصل به الامر ان يتحكم في مصروفات السلطان عبد الحميد الخاصة بالسلطنة كلها عوامل ادت الى سقوط الامبراطورية