العالم الإفتراضي وفلسفة الإختفاء |
في كتابه +فلسفة الواقع الافتراضي؛، يحدّد مايكل هايم هذا الواقع من خلال سبعة مفاهيم وهي: المحاكاة، التفاعل، الاصطناع، الانخراط، الحضور عن بعد، الانخراط الكامل للجسد والاتّصال عبر الشبكة. أما التعريف الذي يتّفق عليه العلماء، فيتناول الواقع الافتراضي (Virtual Reality) على أنه محاكاة بواسطة جهاز الحاسوب لبيئة حقيقية، كمبنى أو مدينة أو مركبة فضائية من أجل القيام بتدريب على أحد الأنماط أو تنفيذ مخطط ما، أو لبيئة متخيّلة على غرار ألعاب المغامرات الإلكترونية. هذه المحاكاة تتم عن طريق الاختبار النظري ثلاثي الأبعاد، أي الطول والعرض والارتفاع، والتفاعل النظري، خلال الوقت الفعلي (Real Time) مع الصوت أو حتى اللمس وأشكال أخرى من الحواس كالرائحة. وتُقسّم أجهزة المحاكاة هذه إلى أنواع ثلاثة. أوّلها (Desktop VR) الذي يمكّن المستخدم من رؤية بيئة افتراضية معيّنة من خلال شاشة حاسوب أو أكثر بحيث يتفاعل مع تلك البيئة دون الانخراط فيها. ثاني هذه الأنواع (Video Mapping VR) هو عندما تقوم الكاميرات بنقل صورة عن المستخدم إلى الحاسوب وخلق شخصية ثنائية الأبعاد له. وبالرغم من انخراط المستخدم هنا بالبيئة الافتراضية، إلا أن التفاعل مع المحيط يبقى عملية صعبة المنال. أما ثالث هذه الأنواع وأكثرها تعقيداً وواقعية (Immersive VR) فيتمثل باستخدام جهاز يعرض الصورة بتقنية الفيديو مباشرة أمام عيني المستخدم ويصدر الأصوات داخل أذنيه، مع إمكانية استعمال أدوات تقنية عديدة (التفاصيل في محور آخر) تقوم بتعقّب حركات الجسم على أن تكرّرها متطابقة داخل البيئة الافتراضية. ويُقاس نجاح الانخراط في العالم الافتراضي بمدى انعدام قدرة المستخدم على التمييز بين المشهد الحقيقي وذلك الافتراضي.
كيف سيؤثر الواقع الافتراضي على حياتنا اليومية؟
التأثير الأساسي للواقع الافتراضي سيكون في المدرسة، فالتعليم في المستقبل لن يعتمد بنفس الصورة على الكتب الورقية ولكن على الوسائط المتعددة، وبالفعل فقد بدأت أجهزة الآيباد (iPad) تحل محل الفصول الدراسية. يمكن للواقع الافتراضي أيضاً أن يوفر خاصية تسمح بكل شيء من حولنا، إعادة خلق بيئة كل فصل يدرس، فمثلاً، يقدم المتحف البريطاني في لندن عروضاً لجولة في العصر البرونزي باستخدام أجهزة الرأس مع امكانية التفاعل عن طريق اللوح الحاسوبي. ويأتي ذلك في ذكرى نفس التوقيت الموافق لعرض أول فيلم وثائقي باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي في متحف التاريخ الطبيعي العام الماضي.
شبكات التواصل الاجتماعي وبناء الشخصية الوهمية
وفَّر الانترنت فرصة كبيرة في التعلم والاطلاع على كافة الانجازات العلمية الكبيرة وعلى معايشة الاجواء الافتراضية كحقيقة مفترضة كما ورد في بداية المقال وكذلك للتواصل الاجتماعي والتعرف على الانتاج الفكري والمعرفي للكثير من المفكرين والادباء والشعراء والعلماء- الذين كان من الصعب جدا التواصل معهم – وقراءة مايسطرونه من افكارهم على صفحات التواصل الاجتماعي ناهيك عن امكانية الحوار معهم حول انتاجهم الفكري والتقرب منهم بشكل يسمح لمعرفة الكثير عنهم وامكانية تتبع الخط الفكري الذي ينتمي إليه هذا المفكر او ذاك العالم من خلال قراءة السيرة الذاتية والمخزون المعرفي لهم . كما اتاح الانترنت لكل شخص بطرح رؤيته الذاتية وتقمص الشخصية التي يعشقها والتي هو مولع بها والتصرف بما يختزنه من افكار كانت ممتنعة الطرح في مرحلة سابقة، فاتاحت لهم شبكات التواصل الاجتماعي طرح هذه الافكار من خلال الشخصية التي تقمصها ،فهو حين يختار اسم وهمي حتما سيكون لهذا الاسم تاثير مهم في حياته، او يشغل حيز كبير من افكاره ، او يداعب مخيلته الفكرية ،وهو من خلال هذه الشخصية يمكنه تخطي حدود (التابو TABOO ) وينطلق في عالمه الافتراضي في الكشف عن جوانب غامضة من شخصيته وهو مطمئن بعدم امكانية التعرف عليه من قبل الآخرين، فهو حين يتحدث باسمه الجديد يكون خطه الفكري اكثر وضوحا مما يظهره في عالمه الحقيقي واكثر نضوجا في بلورة موقفه من الوقائع التي يناقشها.
ان عملية التخفي خلف مسميات عديدة لها ميزاتها كما لها سلبياتها فكما قلنا بأنه سيكون حافزا نفسيا لاظهار وتنشيط الجانب الابداعي الذي لم يكن من الممكن ظهوره لولا هذه الفسحة من الخصوصية التامة التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي .
لقد تمادى البعض في التخفي في العالم الافتراضي ليس فقط بالتعبير عن افكارهم بل تجاوزها للتعبير عن نزواتهم فكثيرا مانكتشف ان هناك عوالم كثيرة يجتمع من خلالها مثليو الجنس والراغبون بممارسته لان هذه الرغبات تردعها الاعراف والقوانين المرعية فهم من خلال هذا العالم الافتراضي والاسماء والصور المستعارة يتمكنون من التواصل مع الاخرين ممن يمتلكون نفس الصفات وربما يصل الامر بهم بالتعدي على الاخرين الذين لايرغبون بهذا النوع من العلاقات وبهذا فهم يسببون حالة من الازعاج والتطفل غير المرغوب به من قبل الاخرين مما يحدو بالكثير ممن يتعرضون لتجربته العزوف عن استخدام شبكات التواصل .
ادارة عمليات الاحتيال والتوريط
كما قلنا انفا ان شبكات التواصل الاجتماعي اتاحت فرصة ذهبية للشواذ جنسيا وفكريا في طرح مافي جعبتهم وفرض بعضها على الاخرين، فقد ظهر ان هناك عمليات كبيرة للخداع والاحتيال تدار من قبل اشخاص وربما مؤسسات كبرى لاستنزاف اموال الافراد الذي يقعون في شراك هذه المجموعات وربما يتم استغلالهم في تنفيذ عمليات ارهابية عوضا عن الابتزاز المالي الذي يتعرضون له, وتؤيد هذه الطروحات الكثير من الامثلة التي وقفنا عليها . وحوارنا مع الكثير من الاشخاص الذين بدؤا يسددون اموال عبر شركات التحويل المالي لهؤلاء ،فقد رأيت احد الاصدقاء في احدى المرات وقد تعرض لحالة ابتزاز وهو يذهب بشكل دوري لاحدى شركات الصيرفة التي يديرها صديق لنا للتحويل حين سألته عن سر هذه الاموال تحجج بأنه يرسلها لاخيه الذي يدرس خارج العراق ،ولكن صاحب الشركة كشف لي الموضوع ،فهو يخاف من عرض فديو يظهر به اعضاءه التناسلية في عملية ممارسة جنسية مفترضة أي وهمية مع صورة لبنت في الطرف الاخر من الكومبيوتر وعندها نصحته بالتوقف عن ارسال هذه الاموال لهؤلاء النصابين.
اخطار شبكات التواصل الاجتماعي
كتب الكثير من الباحثين حول اخطار شبكات التواصل الاجتماعي وانا ساكرر على عجالة ماقالوه فهذه الشبكات صارت ملاذا لكل الاشخاص الذين يبحثون عن اشياء مفقودة لديهم فحالات الطلاق اصبحت كثيرة بسبب هذه المنتديات والعلاقات التي تنشأ من خلالها،وزيادة حالة الشذوذ عند النشئ الجديد الذين تنعدم عليهم الرقابة من قبل ذويهم وخصوصا على نوع الاشخاص الذين يطلبون صداقتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، كما يخلق هذا الوضع حالة من البرود في التواصل الاجتماعي داخل الاسرة حيث تجد الكل مشغول بجهازه واصدقائه ونسي ان له اسرة يجب ان يتكلم معها ويتداول بشؤونها مع بقية الافراد وهذا باعتقادي اهم واكبر خطر ،حين يعيش افراد الاسرة كل فرد بمعزل عن بقية الافراد ويفقدون التواصل فيما بينهم عندها لاينفعنا التواصل مع الاخرين وانشاء علاقات معهم ونحن لانمتلكها مع اسرتنا.
باعتقادي ان تشجيع شبكات التواصل الاجتماعي وتطويرها وحصول مارك صاحب موقع الفيسبوك على افضل شخصية بالعالم في احدى السنوات كان من ورائها قصد كبير في جذب اكبر عدد ممكن من الناس لدخول هذا العالم الافتراضي والذي تمكنت قوى كبرى تتحكم بادارة العالم من التواصل مع كل شعوب الارض وتحريكها بما تريد من خلال تغذيتها بالافكار اللازمة لتنفيذ هذه الاهداف وتنفيذ مشروع العولمة من خلال توحيد الافكار والعادات والتقاليد وحتى نوع الطعام ،فمثلا هي اثرت على الشعب التونسي لدرجة كبيرة في اشعال ثورته، وكذلك الشعب المصري، وهي الملاذ الكبير للمنظمات الارهابية في طرح افكارهم والتي جذبت اليها كل المعاقين فكريا والراغبين في هذه الاعمال اليهم فجاؤا من كل بقاع الارض والتحقوا بهذه المنظمات.
تبقى شبكات التواصل الاجتماعي سلاحا ذو حدين لو احسن استخدامه فهو كبير وعظيم الفائدة والاثر وان اسيئ استخدامه فهو سلاح مدمر يهدم اسس المجتمع من خلال ضربه الاسس العائلية . |