ذكرى ليست للنسيان |
دائماً ما تحاصرنا الذكريات الحزينة والمؤلمة فتعصر قلوبنا وتضغط على محاجر عيوننا لتستدر الدمع ، اما الذكريات السعيدة فتزورنا خجلة سريعة تمر مرور الكرام بل لا تكاد تحل حتى تحل معها احداث محزنة تنغّص علينا الفرحة . وثمة ذكريات لا يمكن ان ندخلها في بوابة الفرح كما لا يمكن ان نضعها في خانة الحزن بل هي مزيج من هذا وذاك .واعتقد ان ذكرى التاسع من نيسان تدخل في عداد هذه الذكريات وليخالفني من يخالف وليؤيدني من يؤيد مع احترامي الشديد لجميع الآراء . الحزن في هذه القضية ان النظام السابق كان – برأيي الشخصي المتواضع- قد فقد الكثير من تسلطه وجبروته في السنوات الأخيرة من عمرة ، كما ان الشعب الذي كان مغلوبًا على امره أخذ يجاهر برفع صوته المعارض للنظام برغم بطشه وقسوته وهذا يعني ان النظام كان يمكن ان يسقط ولو بعد حين . أجل كان يمكن ان تكون فرحتنا كبيرة الى حد لا يوصف لو كنا نحن من اسقطه من دون تدخل عسكري أفضى الى احتلال دام سنوات . ولكن يبقى لهذه الذكرى شيء من الفرح فأحداث يوم التاسع من نيسان 2003 وسقوط التمثال وسط بغداد لا يمكن ان تمحى من ذاكرة ابناء الشعب المسحوقين الذين ذاقوا الويلات من بطش النظام وظلمه. هي في كل المقاييس ذكرى ليست للنسيان علينا ان نستذكرها سنوياً لنأخذ منها العبر والدروس ليكون حاضرنا افضل ومستقبلنا ابهى. هي ذكرى تجعلني اعود سنوات الى الوراء فأنا لا ازال اتذكر قولي لأحد الاصدقاء انني فرح لسقوط النظام ليس من اجلي وانما من اجل ابنائنا الذين نتمنى ان يعيشوا شبابهم من دون وجود نظام البعث ولكن منظر الدبابات الامريكية وهي تجوب شوارع بغداد في ذلك اليوم كان سببًا كافياً ليجعل كل حليم وبصير يتوجس شراً وهو يرى ان مستقبل بلاده على كف عفريت ، بل ما زلت اتذكر كيف انني احسست في حينه ان تلك الدبابات تدوس على صدري لا على أرض بغداد. هي اذاً مشاعر يمتزج فيها الفرح بالحزن والتوجس والريبة والتشكيك بالطمأنينة لغياب زائر الفجر . ومرت سنوات عجاف لم تكن سهلة على العراقيين ولكنهم تجاوزوها بصبر وشجاعة وهاهم اليوم يواجهون تنظيمًا ارهابيًا يريد ان يثأر لنظام بكى لسقوطه متذرعًا بإقامة دولة خلافة اسلامية، تاركًا كل البلاد ليقع خياره على العراق. ولكن هل سيكون سقوط داعش ذكرى جديدة . من المؤكد ان السقوط النهائي لداعش سيكون قريبًا وسنحتفل بذلك وإن كان احتفالنا سيكون مصبوغًا بالحزن لأن نصرنا من دون شك سيكون ممهورًا بدماء جديدة لأبطال عراقيين نجباء. وستكون هناك ذكرى اخرى قريبة لامحالة ولكنها ستكون ايضا ليست للنسيان لكي لانقع ضحية لداعش اخرى. كما ينبغي الا نقع مستقبلاً ضحية لنظام جديد وهذا لن يكون بعونه تعالى لسبب بسيط هو ان العراقيين لا ينسون مآسيهم وإنما يدأبون على استذكارها لكي لا تتكرر وهنا يحضرني قول المفكر الإسباني خورخي سانتايانا : من لا يتذكر الماضي سيكرره بالتأكيد. |