ما زلنا مختلفين في المواقف بشأن يوم 9 نيسان .. اذ يعده البعض يوم للتحرير من الدكتاتورية مطالبا بجعله يوما وطنيا ، فيما يراه آخرون يوم احتلال وهتك للسيادة برغم الخلاص من الدكتاتورية فيما يذهب البعض الآخر لأبعد من ذلك فيرى فيه بداية النهاية للعراق الموحد الذي تتحكم فيه الارادات الخارجية .وما بين هذا وذاك تكون مآلات الأحداث والتداعيات لما بعد 9 نيسان 2003 وحدات لقياس موضوعية التقييم على أساس تاريخي لا ينفصل عن الحاضر ولا يثير الغبار حول احتمالات المستقبل، وبالتالي الخوض في مراجعة شاملة لما قبل وبعد ذلك اليوم التاريخي بعيدا عن المواقف المسبقة قد يكون معينا لقراءة المستقبل دون أن نضع أنفسنا موضع القضاة لنحاكم التاريخ أو الشخوص. وبناء عليه يكون عرض الأحداث ومآلاتها وفقا للمراحل هو السبيل الناجع لفهم التاريخ واستشراف المستقبل ، فالمرحلة الدكتاتورية اذا ما تم حسبانها منذ العام 1979 فاننا سنكون قد تجاهلنا أساسات ولادتها الناجمة عن التكوين المرتبك لشكل الدولة العراقية بعد الاحتلال البريطاني والقائم على تغليب مصالح فئات على فئات أخرى حتى ثورة تموز 1958 التي اتسمت ببعض ملامح العدالة الاجتماعية مرورا بمراحل الانقلابات وما أفرزته من أحداث ساقت البلاد لشكل النظام الاستبدادي الذي تبلور بعد العام 1979. وهنا يكون من الموضوعية وضع المقاربات بين هذه المرحلة ومرحلة الأربعة عشر عاما التي تلت يوم 9 نيسان 2003 والتي ما زالت توسم بالمرحلة الانتقالية، اذ ان هذه الأخيرة شهدت ازهاق أرواح وتقطيع أوصال الآلاف من الناس وتهجيرهم في الداخل والخارج مثلما شهدت مرحلة الدكتاتورية المكتظة بالحروب وأساليب القمع ازهاق أرواح العراقيين ودفع الملايين منهم باتجاه مدن المنافي، وشهدت هذه المرحلة الانتقالية ضياع نحو 350 مليار دولار من مجموع موازنات بلغت نحو أكثر من 850 مليار دولار بين نهب وسلب فضلا عن ضياع فرص التنمية جراء سوء الادارة ناهيك عما نجم من تدمير وخراب جراء أعمال العنف والحرب على الارهاب بجانب منزلق المديونية التي تقدر بـ 100 مليار دولار منها نحو 60 مليار دولار ديون خارجية مشروطة بتقييد القرار الوطني لصالح الارادات التي تقف خلف الجهات الدائنة، مثلما هدرت الدكتاتورية أعظم الفرص لتنمية البلاد جريا وراء نزوات الغطرسة الفارغة في زمن كان فيه العراق من أغنى دول الشرق الأوسط ، اذ كان فائض قيمة الميزانية نحو 51 مليار دولار في العام 1979 فيما خرج العراق بعد الاحتلال مديونا لنادي باريس فقط نحو 135 مليار دولار فضلا عن ديون دول الخليج وديون الجهات الدائنة الأخرى وتعويضات حرب الخليج البالغة 54 مليار دولار فضلا عن تعويضات الحرب مع ايران التي تقدر بنحو 100 مليار دولار والبلد بحاجة لنحو 400 مليار دولار لاعادة بناء ما تحتاجه البنية التحتية. من جانب آخر شهدت المرحلة الانتقالية أجواء من الديمقراطية انتفع منها القتلة والسراق الذين وظفوا وسائل الاعلام لصالح سلطاتهم وظللوا الرأي العام في أسواق لبيع الخطاب الطائفي، ووظفوا المافيات والمرتزقة للنيل من الشرفاء فيما تأسست مئات الامبراطوريات المستبدة على رقاب الناس في الجهاز التنفيذي في غياب تام لسلطة القانون الذي أضحى أداة للتركيع والاضرار بالشرفاء والبسطاء من الناس الذين ترك لهم حيز من الديمقراطية لقذف الشتائم والتندر وهم مدججون بالخوف والقلق على أولادهم ومصالحهم من أحداث الشارع وما خلفه حتى غادروا الطمئنينة والسلام ، بما يشبه أو يزيد عن الخوف والرعب الذي كانوا يعيشون فيه حين كان من يجلس على ورق من الجريدة يسجن بنحو 15 عاما في زمن الدكتاتورية. زيادة في ذلك تم التأسيس لسلطة المال لتحل محل الدكتاتورية التي كانت تسلب حق الناس في التعبير عن الرأي وتقطع السنتهم وآذانهم وتستبيح حرماتهم وتنهب ثرواتهم، اذ تنزلق البلاد شيئا فشيئا نحو نظام اقتصادي وسياسي يمنح الحرية المطلقة لرأس المال في ادارة شؤون البلاد وصناعة القرار السياسي والتشريعي . وعلى هذا وسواه يكون 9 نيسان هو نافذة تذكرتها باهظة الثمن لولوج الانسان العراقي من الدكتاتورية لسلطة رأس المال التي أسس لها أصحاب المشروع خلال سنوات المرحلة الانتقالية . فهل ثمة قوى وطنية تعي ما يدور حولها وتتصدى للمرحلة المقبلة ليكون الثمن الذي دفعه الانسان العراقي بعد 9 نيسان 2003 مستحقا؟.
|