يرتبط يوم التاسع من نيسان من عام 2003 بسقوط وزوال ابشع نظام ديكتاتوري واستبدادي في تاريخ العراق المعاصر, حيث ارتكب هذا النظام ومنذ وصوله ال السلطة في تموز من العام 1968 الكثير من الجرائم، والتي منها قيامه بقمع وتصفية معارضيه من جميع الأطياف والأعراق والمكونات وقتل وسجن اكثر من مليون مواطن عراقي ودمر واحدا من اجمل المناطق في العالم, حين حوّل الاهوار الجميلة الى صحراء قاحلة.هذا النظام تمكن ايضا من جر العراق والمنطقة الى حربين مدمرتين مع ايران والكويت انتهتا بهزائم مخزية ومذلة وباقتطاع أجزاء كبيرة من ارض العراق ادعى زورا بأنه خاض تلك الحروب من اجل استردادها وبأكلاف مرتفعة وصلت الى اكثر من مليون ونصف من الجنود العراقيين الذين سقطوا خلال ثلاثة حروب.
كان النظام يجيد بامتياز بناء منظومته الأمنية والقمعية والتي سحق تحت عجلاتها عددا مخيفا من الضحايا, إضافة إلى برامج التعبئة العسكرية الطويلة والمملة التي أضاعت الكثير من أعمار العراقيين وأحلامهم, حيث كان النظام يحتفظ بجيوش أمنية خاصة كانت مستعدة لابادة اية مدينة عراقية يخرج افرادها عن الولاء للنظام. لم يعمل النظام على تطوير الشعب العراقي ورفع مستوى وعيه الثقافي والاجتماعي, بل عمل على تدميره بشكل ممنهج ومنظم عندما ادخل ثقافات سلوكية غاية في البشاعة والانحطاط وذلك من خلال تشجيعه لثقافة كتابة التقارير الامنية والوشايات والمخبرين وجواسيس الظل بين افراد الشعب العراقي والتي وصلت الى حد ان افراد الاسرة الواحدة كانوا يكتبون التقارير عن بعضهم البعض, بل ان مواطنا عراقيا مطلوبا ظل يعيش خلف جدار سري في منزله لعشرين عاما خوفا من وشاية الجيران به. فرض النظام على العراقيين ثقافة عبادة الزعيم وجعل الثقافة العراقية التي قدمت للعالم العربي فطاحل الشعراء والادباء اسيرة لماكينته الاعلامية, حيث تحولت النصوص الشعرية والروائية الى تقارير حزبية تكيل المدح وصفات العبقرية على الطاغية واجبر كبار الشعراء والادباء على كتابتها كثمن للبقاء والمحافظة على حياتهم. كما ان النظام كان مسؤولا عن نشر ثقافة تعاطي الرشوة وتفشيها في الدوائر الحكومية عندما غض النظر عنها وبشكل سري كنوع من التعويض عن الأجور القليلة التي كان الموظفون الحكوميون يتقاضونها بسبب الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على العراق بعد غزو الكويت عام 1990, اذ كسر هذا القبول الحكومي بالرشوة هيبة الدولة وأسس لحالة مرضية ظلت مسيطرة ومتفاقمة ومستمرة ما زلنا ندفع ثمنها حتى هذه اللحظة. سقوط النظام على يد القوات الأميركية الغازية لم يفقد العراقيين الفرحة بزواله والتخلص منه, لكن هذه الفرحة أفسدتها الكثير من المنغصات التي جعلت الالم العراقي وجرحه المفتوح ان يبقى نازفا من دون توقف حتى هذه اللحظة وذلك عندما ركن العراقيون الى مشاعرهم الغاضبة التي تفجرت على شكل صراعات واستقطابات طائفية وقومية حادة عرقلت الكثير من انطلاقة مشروع التجديد والتغيير. والمؤسف ان النخب السياسية التي كان يعول عليها لقيادة الدفة هي أول من أسهم في إغراق البلاد بالفوضى, حين أخفقت في التأسيس لعقد سياسي جديد يقوم على بناء المؤسسات واحترام القانون والنظام وجعل الدستور مرجعا أساسيا ووحيدا لحل الخلافات والنزاعات وتعميق مفاهيم الشراكة الوطنية وتجنب جميع أشكال التعصب القومي والطائفي وعدم تدخل الاحزاب في عملية مؤسسات الدولة وتقديم أفضل الخدمات وبناء اقتصاد وطني يحقق الازدهار والرفاهية لكل المواطنين العراقيين, اذ اننا وجدنا بدلا من ذلك احزابا وعشائر تتدخل في عملية ادارة الدولة ومؤسساتها وتعمل على نخرها وتدميرها بطريقة منظمة من خلال نهب الأموال العامة وسرقتها كبدت الموازنة العامة قرابة 250 مليار دولار. أنانيتنا المفرطة وإرثنا البدوي المتخلف ورفضنا القطيعة معه بمفاهيمه القبلية المتصادمة مع المدنية والتطبع مع القانون والنظام جعلنا نغتال بأيدينا هذا الحلم الوردي الذي عشنا بانتظاره كل هذه العقود الطويلة والمظلمة من القمع والاستبداد لنعيش بدلا منها أياما مرة من الفوضى والعنف وثقافة السلاح والتجاوز على القانون ونهب ما يمكن نهبه من ارث الدولة وأموالها وسط تشجيع مخيف من مافيات متنفذة حزبية وعشائرية وسياسية ادارت ظهرها لمعاناتنا والامنا, حين اخذت تتاجر بأحلامنا لتحيلها الى ارصدة تتضخم لحسابها في بنوك ومصارف العالم . |