تحالفات الأحزاب بين الأمل والواقع

في العلوم السياسية.. مفردة التحالف السياسي تعكس قوة ومتانة العلاقات بين الأطراف المتحالفة، وتكون عموما امتدادا لعلاقة ستراتيجية تاريخية مسبقة، ولها آلياتها وبرنامجها وأمدها الطويل وثقافتها الايجابية في التعاطي مع الآخر وروحها الخاصة به. عندما ننظر للحالة العراقية يتبادر الى ذهننا السؤال التالي: كم يا ترى نملك من تحالفات سياسية من هذا القبيل؟ وبالخصوص مع وجود عدد شاسع للقوى والأحزاب السياسية العراقية. مع الإجابة نستطيع ان نشخص ونستقرئ عمق استقرار العملية السياسية من عدمه.
عندما ينوي طرف عراقي اقامة تحالف مع طرف عراقي آخر فان عليه قبل ذلك تهيئة المستلزمات الضرورية لهذا التحالف والا فالنجاح صعب خصوصا مع تعقيدات ساحتنا الجيوسياسية. هذه المستلزمات تتضمن الاجابة عن اسئلة مهمة حول رؤاها السياسية للعراق القادم، ومعالم مشروعها العراقي واهدافها المرحلية وبرنامجها الاقتصادي وخارطة طريق تمتين العلاقات الخارجية للبلاد وطبيعة تقييمها لدورها الحالي والمستقبلي ومن ترى من الشركاء السياسيين وليس المنافسين ممن يمكن ان يدخلوا معها سويا في تحالف ستراتيجي وليس مرحليا وتكتيكيا، واسئلة كثيرة اخرى متعلقة بطبيعة الدور المستقبلي المأمول والجدول الزمني المرسوم لهذه التحالفات. طبعا لا نحتاج ان نُذَّكّر بأهمية تطابق الإجابات بين المتحالفين على اغلب الأسئلة أعلاه لكي تكون هذه التحالفات تحالفات فكرية وسياسية متينة وليست تحالفات تكتيكية انية. كما انه من الضروري ان نشخص ايضاً ان كانت هذه التحالفات تحالفات أحزاب ذات قيادات جماعية ام تحالفات شخصيات منفردة بقيادة احزابها، اذ ان العملية السياسية عموماً لم تخرج بعد من شرنقة الافراد الى فضاءات البرامج والقيادات الجماعية.
اذن من مهم اولاً ان تتوحد مبادئ الاطراف لكي يدوم التحالف ويستمر ايجاباً نحو النمو. ولعل كثرة الاطراف السياسية العراقية (وحتى داخل كل مكون) تعود الى ضعف علاقاتها المبدئية وآنية تفكيرها على حساب النظرة البعيدة. هنا نرى ظاهرة كثرة تعدد الاحزاب العراقية وقلة اندثارها. علما ان الحاجة الحقيقية لتطور المسار السياسي العراقي تتطلب وجود بضعة احزاب فقط لكي تتضح الساحة السياسية ويتم فرز الأحزاب المؤتلفة الحاكمة والاحزاب المعارضة ويسهل بعدها عملية ادارة دفة الحكم وصنع القرار وسرعة التنفيذ وغيرها من مستلزمات التطور الايجابي الديمقراطي. هذه التحالفات مع تماسكها يفترض ان تنتج أحزابا عابرة للمكونات او الاثنيات او القوميات. وهنا يأتي السؤال المهم حول ماهية هوية هذه التحالفات، هل هي متعلقة بالهوية العراقية اولاً ام بإعطاء الاولوية لهويات جزئية أخرى؟ والتركيز على إمكانية تفعيل برامجها الانتخابية وليس على مدى جاذبية وعودها الانتخابية غير الواقعية. 
اما إذا كان حديثنا عن تحالفات تكتيكية ميدانية في هذه المحافظة او تلك، او تحالفات ليوم الانتخابات والوصول لسدة الحكم فقط، فهنا يجب ان نعرف التكلفة المتعلقة بلا استقرار المسيرة وهشاشة الوضع السياسي والحكومي نتيجة ضعف التحالفات وآنيتها واندثارها حال انتهاء تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب والحقائب الوزارية.
لكي تستقر وتنمو التحالفات فهي من جانب آخر تحتاج من هذا الحزب او ذاك الى ان تراجع مسيرتها وتتعلم من دروس الأحزاب الأخرى والتحالفات التاريخية الهشة، ولعل تجربة تحالفات الأحزاب في مجالس المحافظات تجربة غنية، فمثلاً لم يستطع حزب قوي وقديم ان يستفيد من قوة مجموع اصواته في البصرة وتم تعيين محافظ من حزب آخر ذي اصوات قليلة نسبياً في انتخابات عام ٢٠١٣، او ما حصل في محافظة كربلاء عام ٢٠٠٩ او حتى في بغداد واستمرار تغيير المحافظ وحزبه. اذن يجب ان تعرف الأحزاب نقاط قوتها وضعفها ونفس الشيء للشركاء او المنافسين فالمعرفة ضرورية كمجسات مهمة لكي يكون تأثيرها قويا ومستقرا وتستفيد من فوزها في مجالس المحافظات للتهيئة لانتخابات النيابية العامة اللاحقة.
بخصوص مجالس المحافظات فان الأحزاب تحتاج الى اجراء مسح عام وشامل لمعرفة من هم المنافسون ومن هم الشركاء المحتملون؟ والوصول قدر الامكان الى معادلة عراقية عامة غير متعلقة بمحافظة واحدة هنا او هناك ، يعني ذلك انه إذا كان لحزب (سين(  تحالفات تكتيكية او ستراتيجية مع تيار (صاد) فيفضل ان يكون ذلك على مستوى العراق كله ويتم بعدها الاتفاق على كل محافظة على انفراد. هذا أفضل من العمل على كل محافظة على انفراد ابتداءً وذلك لكي تساعد هذه التحالفات في تسهيل العمل السياسي وعدم الخوض في صراعات مستمرة مستهلكة للطاقة والوقت. ومن المفيد ان نتذكر وجود معالم أحزاب حاكمة ومعارضة في مجالس المحافظات واختفاء هكذا معادلة في مجلس النواب الممتلئ بالأحزاب المشاركة في الحكم فقط.
وهنا يأتي تساؤل مفاده: ماذا لو حصل دمج بين انتخابات المحافظات ومجلس النواب في العام القادم؟ وما هي آليات ادارة المخاطر لهذه الأحزاب في هذه الحالة؟ وهنا من الضروري ان تكون الاهداف واضحة وقليلة لكي تكون التحالفات الستراتيجية مكملة وتسير في نفس المسار نحو البناء القويم للعملية السياسية الهشة.
واخيراً من الضروري ان لا ننسى الزيادة الملحوظة في النسبة الانتخابية للشباب، وهنا نرى اهمية الأحزاب بالعمل على إيجاد برنامج انتخابي يخص الشباب، ومن الضروري ايضاً ان يعاد النظر بآليات الكسب والترشيح في الاحزاب لكي يقوى عودها وتتجدد الحياة فيها، بدلاً من التمسك ببعض القيادات التاريخية فقط غير مدركة الأثر السلبي وجمود حركتها ناسين او متناسين ان التجديد مقدمة لإعادة الحياة لها من خلال حقنه بدماء وأفكار جديدة، وخصوصاً ونحن نرى مع الأسف ان الفكر لم يعد عنصرا مهما في المعادلات السياسية.
لنجعل من التحالفات آلية لدفع العملية السياسية نحو الامام وتجنب أخطاء الماضي القريب الذي لم يتم تعافي المجتمع منه بعد وبدون ذلك فان التاريخ سوف يعيد نفسه.