في الأمس القريب وعندما كانت أسلحة الجيوش الكبرى (أميركا، روسيا، بريطانيا، فرنسا...الخ) تقليدية، ووسائل التواصل والاتصال العالمي محدودة، كانت الدول وبضوء المصالح والرؤى المستقبلية تنقسم الى كتلتين أو فريقين، يعتقد كل واحد منهما أنه قادر على ادارة وكسب الصراع المسلح مباشرة مع الطرف المقابل، وبما يحقق فرض الارادة، وهكذا تبدأ الحروب ومهما علت أرقام خسائرها البشرية والمادية فهي بالمقارنة مع إجمالي السكان والثروة البشرية تعد محدودة بالقياس الى ما يمكن أن تسببه الحروب بأسلحة تدمير شامل باتت جميع الدول الكبرى تمتلك خزينا لها قادرا على الفتك بعموم البشرية، واستنادا الى هذا وكنتيجة لتطور الحس الانساني للخسارة والرفاه، توجه القادة السياسيون والعسكريون الكبار الى سبل تصادم عسكري محدودة، قوامها حروب انابة أو نزاعات محلية، وقودها دول وجماعات لم تنضج حضارياً، وإدارتها جهد دولي محدود نسبياً، وما حصل ويحصل في العراق وسوريا واليمن وليبيا تعبير عن هذا النوع من الحروب التي لا ينطبق عليها وصف حروب محلية، وكذلك لا يمكن نعتها بالحروب العالمية. إنها حروب هجينة لا تسمح في سوحها الأطراف الدولية الكبرى المحركة والداعمة سوى باستخدام الاسلحة التقليدية، وبشكل يتلاءم وتقدير فعل التأثير المطلوب في ساحة المعركة، وبدلاً من الصدام المباشر بينها فان الدول الكبرى تتجه الى مد هذا الطرف المحلي أو ذاك بالمال والسلاح والدعم السياسي الكافي لدفعه الى القتال بالضد من الأطراف الأخرى، والتواجد المحدود عندما تقتضي ضرورة تعديل التوازن أو ترجيح كفة أحد الأطراف من خلال تنفيذ بعض الفعاليات العسكرية المحدودة، أو تقديم الاستشارة والتدريب والتعاون وتنفيذ اتفاقيات، وهو واقع حال وشكل حروب مسيطر عليها عن بعد، لا تخرج الضربة الأميركية على المطار العسكري السوري بحجة استخدام السلاح الكيمياوي عن سياقها الذي جرى فيه زيادة ملموسة لعيار فعل التأثير واستعراض القوة في ساحة حرب محلية يعي الاميركان جيداً مقدار الانتشار الروسي فيها واحتمالات وقوع خسائر جانبية حاولوا جاهدين تجنبها ونجحوا في هذا، ويعي الروس من جانبهم أن الأميركان في زمن ترامب وتشكيلته العسكرية قادرون على اتخاذ قرارات تفوق شدتها كثيراً تلك القرارات التي كانت تؤخذ في الزمن السابق فحاولوا وسيحاولون تجنب آثار اتخاذها. ومحصلة القول أن الحرب على الأرض السورية وكذلك العراقية هي حروب وان بدت محلية، فان واقعها ومخرجاتها النفسية تجعلها حروبا كونية تستخدم فيها الدول الكبرى المتحاربة أسلحتها التقليدية (المسيطر عليها) وأسلحتها النفسية المعلوماتية وبعض تحركاتها العسكرية للتأثير على آراء وقرارات أطراف محددة... حروب من النوع الذي يمكن أن تستمر طويلاً، تتداخل في سوحها الغايات وتختفي أشكال الأعداء الحقيقيين، ويكون أكثر المنفذين لها هم المواطنون المحليون ومؤازرون عقائديون مقتنعون بحملهم السلاح من أجل أهداف نفسية لا يدركون طبيعتها في غالب الأحيان.
|