بشر يمتهنون صناعة الالهة

عن دار تمورز بدمشق صدر كتابي الجديد ( بشر يمتهنون صناعة الالهة ) مع ملحق يضم قراءات و مقالات عن الارهاب .

مدخل: بشر يمتهنون صناعة الالهة

منذ تكوين الانسان الاول وهو مستمر بخلق الازمات والاضطرابات التي تتسم احيانا بالعنف البهائمي غير المستدرج نهائيا ضمن دوائر الوجود البشري، لكونه عنف لاحدود له، ولا منطق له، ولا حتى نسق او نمط استبقاي يمكن ان يُعرف بانه الاساس لهذا العنف لكونه يتجدد في كل مرة بشكل يظهر وكأنه البدء، وذلك لكونه دائما ما يضيف اليه بعض من لمساته الابداعية الهدامة، فتأتي التسميات توالياً، من ارهاب ،ووحشية وعصبية قبلية والى غير ذلك من التسميات التي نجدها تتناسل كما يتناسل العنف والازمات الانسانية على الخراب المسمى بالارض، ولكن مع ذلك نجد بأن بعض العقول لاتعول كثيراً على مفهوم اللااستبقاية 
( لااستباقية النسق او النمط او النص) فتأتي لترجع مثل هذه الاعمال العنفية والارهابية الى مصادر وجد الانسان منذ بداية تكوينه منصاعاً لها، بل حاملاً لافكارها ومبشراً بها ضمن نطاقات ودوائر مختلفة اتسمت بعضها بالقبلية او ما يمكن ان نطلق عليه محدودية المساحة، وبعضها اتسمت كما ادعت بالعالمية او لامحدودية المساحة.
وضمن صياغات الرؤية الوجودية التي تنامت هي الاخرى ضمن دوائر مختلفة منها ما انتمت الى منابع تلك المصادر، ولبست ثوبها، مع تقويم بعض مسالكها داخل المنظومة الام، دون المس بالخطوط المقدسة، واخرى اتخذت مسلكاً عدائياً متمرداً لقدسية تلك المصادر، واتبعت اسلوباً اتسم احياناً بالعنف الايديولوجي، ومعهما وجد من يتخذ اتجاهاً خلافياً لكلاهما" الاختلافيون الاختلاقيون" ( )، بحيث نجده يؤيد طروحات كل اتجاه ولكن بشكل مغاير للنسق المطروح من خلالهما، فيلبسهما لباساً اخراً، وهذا المسلك الاخير خلق نوع من التماهي الواضح بين الاصل والواقع الذي استطاع من خلاله الكثير من الايديولوجيات ان تخرج عن النسق العادي وتلجأ الى العنف اللامنتهي في صناعة تاريخها، ولاثبات وجودها، وبالتالي تخلق آلهة لاتنتمي الى الممكنات التي تطرحها كل الايديولوجيات الاخرى، مما تثبت الى حد ما وجود بعض الثغرات الاستباقية التي تستطيع من خلالها ان تنفذ هذه الايديولوجيات الى عمق المصادر والافكار التمردية لتخلق الهها المتطرف والمتبني للعنف والارهاب، وبلاشك هناك تواطؤ نسبي بين الالهة الجديدة واتباعها وبين الالهة الاستباقية، وهو تواطؤ ضمني عند الالهة لعدم حسمها للكثير من الامور وتركها عالقة بحيث يمكن اخراجها عن مضمونها الاصلي الى سياقات مستجدة لتصير بذلك عند البشر تحالف وليس تواطؤ فحسب، فالبشر منذ تكوينه يتصارع مع ذاته ورغباته وغرائزه من اجل الحد من انتهاك ما يدعوا اليه وجوده من قيم وافكار وطقوس انسانية بعيدة عن العنف والارهاب، والمفارقة التي ترافق البشرية انها وحدها التي تعاني من ويلات ما تصنعه وتنتجه سواء بفكرها او عقلها او حتى اديانها ومعاملاتها.. وهذا ما سنحاول ان نبينه خلال هذا الكتاب.