الديمقراطية المفرطة والعودة إلى الفوضى |
في بلد عريق مثل العراق يشكل الوضع السياسي فيه أزمة يومية وصراعات بين إتجاهات مختلفة، لابد ان تحسب الخطوات بدقة قبل إتخاذ أي قرار، ولا نقصد هنا قرارات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحسب، بل كذلك الكتل والأحزاب التي نشأت أو كانت وما زالت مشاركة في السلطة من خلال التمثيل الحكومي والبرلماني.. ولها اليد الطولى في صناعة القرار العراقي، فهذه الكتل مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تصرفاتها وتصرفات جماهيرها.
عندما إنطلقت الإعتصامات في بعض المدن العراقية، كان البعض يصور الامور على انها ممارسة ديمقراطية، وأن الجماهير تعبر عن رأيها وهذا ما كفله الدستور.. ولم يقل ذلك البعض أن وراء السواهي دواهي، ونقصد بذلك من يحرك الجماهير ومن يمول تلك الساحات.. ورأينا بعد ذلك كيف إنتهت المنصات إلى منابر خطابة وتحريض للقاعدة وأذنابها، وما نتج عنها من إحتقان طائفي كاد أن يؤدي بالبلاد إلى التهلكة.
في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم الخميس الموافق 5\8\2004 إندلعت المعارك في مدينة النجف الأشرف بين جيش المهدي والقوات الأمريكية وكادت تلك المعارك ان تؤدي إلى تدمير مدينة النجف الأشرف وضريح الإمام علي عليه السلام، حيث كان هناك من يتربص به الدوائر، إلا أن الإرادة الإلهية وحكمة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني جنبت المدينة تلك الكارثة، ثم أتت أحداث البصرة وكربلاء وبغداد ودخول المتظاهرين إلى مبنى البرلمان والعبث بمحتوياته والإعتداء على أحد النواب، إلى هذه اللحظة برز لنا مؤشر مهم، وهو أن الإحتجاجات والتظاهرات لم تعد رسائل سلمية بريئة، بعد أن تخللتها أعمال شغب وإعتداء على رجال الأمن وتجاوز على المال العام إلى غير ذلك من الإنتهاكات، بل أنها أصبحت وسيلة ضغط يلجأ إليها البعض بإثارة الجماهير الغاضبة لتحقيق أهداف خفية غير الأهداف المعلنة، دون الإهتمام إن كانت تلك الأهداف تنسجم مع رغبة الشعب العراقي جميعا، أو فئة منه فحسب تنتمي إلى إتجاه معين.
الأحداث التي جرت في بغداد يوم السبت الموافق في 11 شباط 2017 هي تكملة لما حدث في السابق وهي حلقة في سلسلة من عدة حلقات ، ويبدو أن حلقات أخرى تنتظر هذا البلد الجريح.. فهي تشكل خطورة بالغة كون منسقي التظاهرات يسعون إلى التصعيد دائماً من خلال الدعوة المستمرة الى التظاهر، وهم وإن إستأذنوا السلطات المختصة بالتظاهر حسب تعبير أحد المنسقين، إلا أن المشاركين او بعض من يسعون الى التصعيد، لم يلتزموا بما يتوجب الحفاظ على سلمية التظاهر والبقاء في المكان المخصص (حصراً)، وعدم التجاوز على الاموال العامة والاعتداء على رجال الأمن. وهم مسؤولون عن كل قطرة دم تسيل جراء ذلك.
البلد في حالة حرب مستمرة مع داعش منذ أكثر من سنتين، ويمر بأزمة مالية خانقة..
وليس من الإنصاف أن يلجأ البعض إلى إستخدام الجماهير لخلق الفوضى وإثارة الشارع وإشغال قوى الأمن عن واجباتها الأساسية لاغراض انتخابية، مع وجود منابر خاصة للتعبير عن الرأي وطلب التغيير، وهي مساحة متاحة لكل العراقيين ألا وهي البرلمان والصحافة.
فماذا جنينا من ذلك سوى الفوضى ؟ والخسائر في الارواح والاموال وإبتزاز الديمقراطية وإستغلالها أبشع إستـــــــــــغلال. إن العراق بلد العراقيين جميعاً، وليس بلد فئة وحزب وكتلة وتيار.. ومن يريد إشعال النار فيه مجدداً عليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين. |