البحر الميـت ووعد بلفور |
أنهى مؤتمر القمّة العربية الـ 28 المنعقد في البحر الميت ( الأردن ) أعماله في 29 مارس (آذار) 2017 وصدر عنه “إعلان عمّان” الذي تضمّن 15 بنداً مثّلت خطوطاً عريضة لما توصّل إليه الملوك والرّؤساء والأمراء العرب الذي كان حضورهم لافتاً، علماّ بأنّ مقعد سوريا ظلّ شاغراً بسبب تجميد عضويّتها في جامعة الدول العربية العام . 2011 وشدّد الإعلان على التمسّك بـ “مبادرة السلام العربية” التي تبنّتها “قمة بيروت” العام 2002 كما رفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأكّد رغبة القادة العرب في وضع حلول عربية للأزمات المتفجّرة في المنطقة ودعا إلى وقف التدخّلات العسكرية فيها وتكريس جميع الإمكانات اللازمة لهزيمة الإرهابيّين في المواجهات العسكرية والأمنية والفكرية، بتأكيده على الهويّة العربية الجامعة وقلقه من ظاهرة الإسلاموفوبيا. قمم سابقة وعلى الرّغم من قمم أنّه لم يحصل ما يعكّر صفو ” قمّة البحر الميت” كما شهدت قمم سابقة، فقد أنجزت جدول أعمالها بصورة تكاد تكون روتينيّة، والتأمت بوقتها المحدّد، ولعب البلد المضيف دوراً مهما في تهيئة الأجواء للتّوصّل إلى تفاهمات وتوافقات أوليّة، لكنّ بناء جسور الثقة وترميم ما تصدّع من علاقات يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين وإرادة سياسية وتراكم تدريجيّ قد يكون بطيئاً لأنّ الخلافات والمشكلات القائمة المعلنة والمضمرة عميقة والحساسيّات شديدة وعدم الارتياح الشخصي كبير، ما يتطلّب وضع استراتيجيّات لتجاوزها بتغليب الجوامع وتقليص الفوارق وتطوير القدرات التكاملية وتنميتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية والبيئية والصحية وكلّ ما له صلة بمواطني البلدان العربية بتسهيل انتقالهم وحركتهم وعملهم، وذلك يمثّل جوهر العمل العربي المشترك وطموح الأمّة المستقبلي. يضاف إلى ذلك أنّ ميثاق “الجامعة” نفسه مضى عليه 72 عاماً، ولم يجرِ تغييره أو إعادة النّظر فيه بما ينسجم مع التطوّرات الدولية وقواعد القانون الدولي المعاصر، ولا يزال نظام التصويت الذي يتطلّب الإجماع معطٍّلاً وهو بحاجة لإعادة نظر بين ما هو جوهري وما هو إجرائي وكذلك أجهزة الجامعة واختصاصاتها، حيث كانت قد تأسّست في 22 مارس (آذار) العام 1945 ولم يرتقِ ميثاقها إلى مصاف ميثاق الأمم المتّحدة التي تأسّست بعدها ببضعة أشهر. وكان يُنتظر من القمة أن تتوجّه بخطاب إلى الحكومة البريطانية بمناسبة الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور تطالبها بالاعتذار لما لحق بالشّعب العربي الفلسطيني من مأساة بسببه، وهو ما كانت نخبة من المثقّفين العرب قد ناشدت “القمّة” بذلك . إنّ مطالبة الحكومة البريطانية التي هي المسؤولة عن إصدار وعد بلفور في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 بالاعتذار للشّعب العربي الفلسطيني بسبب المعاناة التي لحقت به طيلة قرن من الزّمان ولا تزال مستمرة إلى الآن، باتت مسألة مناسبة وضروريّة وحان وقتها في ظلّ التطورات الدولية الراهنة. ويستوجب الأمر دعوتها لتحمّل مسؤوليّاتها إزاءه، لتمكينه من تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته الوطنية المستقلّة القابلة للحياة مع ضمان حقّ عودة اللّاجئين وتعويضهم ولعلّ ذلك يستدعي استذكار ما قامت به “إسرائيل” منذ تأسيسها خارج ما يسمّى بـ”الشرعية الدولية” فضد قواعد القانون الدّولي والقانون الإنساني الدّولي وبشكل خاص تجاوزاً للقرار 181 العام 1947 الذي تأسّست وفقاً له باحتلالها كامل فلسطين لاحقاً وأراضٍ عربية أخرى وعدوانها المتكرّر على الأمّة العربية، والقرار 194 العام 1948 المتعلّق بحقّ العودة، والقرار 242 العام 1967 والقرار 338 العـــــام 1973 المتعلّقان بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحــــتلّة (العام1967 ) . إنّ خيار مطالبة بريطانيا بالاعتذار هو سابقة لجأت إليها شعوب ودول، وقامت على أساسها حكومات عديدة بتقديم اعتذارات، سواء بسبب استعمارها لشعوب و دول أم بسبب التعامل اللّا إنساني مع سكّان البلاد الأصليّين، والمسألة لا تتعلّق بالتاريخ أو الماضي فحسب، بل هي مسألة راهنية ومستقبلية، لأنّها تتعلّق بحقوق شعب فلسطين، ولا سيّما وإنّ الممارسات “الإسرائيلية” ذات الطبيعة العنصرية مستمرّة وهو ما دعا منظمة اليونسكو إلى إصدار قرار بشأن الأصول العربية لعدد من المناطق الأثرية في فلسطين وخاصة في القدس الشّريف وذلك لدحض المزاعم الصهيونية ، و قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي، وهما قراران تاريخيّان اتّخذا خلال شهري أكتوبر ( تشرين الأوّل ) وديسمبر ( كانون الأوّل ) من العام الماضي 2016. إنّ مطالبة بريطانيا بالاعتذار، يمكن أن يحرّك الساحة الدبلوماسيّة الدوليّة لصالح الحقوق الفلسطينيّة والعربية، وهو بلا أدنى شك جزء من المعركة القانونية الدولية التي لم تأخذ الاهتمام الكافي، وخطوة مثل تلك يمكن أن تجتمع عليها البلدان العربية في إطار تحرّك مشترك وفي الوقت نفسه فهي ترويج للمبادرة العربية وللرغبة في إقامة سلام دائم وعادل، ولا سيّما بتحميل المجتمع الدولي وقواه المتنفّذة مسؤوليّته على هذا الصعيد |