درس مؤلم |
من أخطر مصائب الحياة التي تؤثر على كل شيء بما فيها الحياة الشخصية والجماهيرية وحتى سياسة الدول الكبيرة والصغيرة هي – بلاء الغش - وأسميها مصيبة لأنها تحطم كل شيء على مستوى حركة الحياة . الغش عكس الصدق بكل ماتعنيه هذه العبارة أو الكلمة من معنى. حينما يكون ألأنسان صادق مع ذاته ومع من حوله فأنه يأمن أشياء كثيرة بما فيها عقوبة الله الجبار الذي يراقب كل شيء. يحصل على محبة البشر أينما حل...وإذا مارس الغش فأنه يحصل على عكس ذلك. الحديث عن الغش يتطلب عشرات الصفحات ولكن قبل الدخول في سبب تطرقي الى هذا الموضوع أود أن أذكر أن سبب بلاء العراق في كل ألأزمنة وخصوصاً العصر الحديث هو – الغش – ولكم أن تنسجوا من هذه الكلمة عشرات المواضيع التي دمرت العراق منذ التغيير الى هذه اللحظة. في حياتي الدراسية مارست إثم – الغش – مرة واحدة – بلا سبب منطقي ولازلت أتذكر هذه الحادثة منذ عام 1975 حينما كنتُ في الخامس ألأعدادي ولازلت أتألم كلما وضعت رأسي على الوسادة وقمت برسم خارطة الذكريات في الفراغ. كنتُ من التلاميذ ألأوائل في مادة اللغة ألإنكليزية لابل كنت أتلذذ بهذا الدرس حد الهيام والعشق المفرط لدرجة أنني اترك دروسي وأطالع مجلة - woman- - باللغة ألإنكليزية التي كانت تصل الى العراق في ذلك الزمن. المجلة جميلة جداً تحتوي على قصص وكل مايتعلق بالنساء . لم تكن تصل الى القرية البعيدة التي كنت أسكنها لكنني أسافر الى بغداد – شارع الرشيد وأشتريها من مكتبة راقية جداً. السفر من القرية البعيدة الى شارع الرشيد يتطلب مني جهود كبيرة ومعاناة لاتنتهي لعدة أسباب منها مادية وأسرية واجتماعية والتهيئة لهذه الرحمة تشبه من يريد السفر الى إحدى الدول المجاورة في الزمن الحديث ولكم أن تتصوروا مقدار الجهد في كل شيء. كان صديقي – فاروق الخفاجي- من أقرب الزملاء الى قلبي لأسباب كثيرة – أصبح فيما بعد ملازم وأنخرط في حرب ألثمانينات ولم أعرف مصيره منذ عام 1978 حينما إفترقنا – ذهبت الى كلية ألآداب – لغة إنكليزية وهو ذهب الى الكلية العسكرية. هو السبب الذي دفعني للغش في مادة اللغة ألانكليزية – في إمتحان من ألامتحانات الشهرية... قبل دخول ألامتحان بساعة عرف أنني حفظت كل المادة عن ظهر قلب وهو لايعرف كلمة واحدة على حد قوله. قال لي بأنه سيتفوق علي على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها – في درخ كل المادة – وراح يعد قصاصات كثيرة من أوراق ليس لها حصر. خفت أن يتفوق علي ورحت أكتب كل المادة على غلاف كتاب التاريخ. كان مدرس المادة ألأستاذ – عباس – من مدينة السدة يحترمني جداً لأنني كنت أفضل طالب في درسه على حد قوله.راهنت على هذا ألاحترام وكنت معتقد أنه لن يقترب مني ولن يفتش الكتاب الذي كنت أضع علية ورقة ألامتحان. في اللحظة التي أشار لنا بالشروع في مسابقة ألامتحان توجه نحوي أنا فقط وقلب الكتاب وكانت الطامة الكبرى. شاهد كل المادة مكتوبة على غلاف الكتاب. نظر في عينيَّ بغضب وكأنه فقد طفلاً عزيزاً. قال بحزن " لماذا ؟ " وكتب على ورقتي – غش- وطلب مني أن أستمر. أقسمتُ له بأنني أحفظ المادة على ظهر قلبي...إبتسم بسخرية وذكر لي بأنه متأكد من هذا. أجبت عن سؤال واحد بالنص وسلمته الورقة لأثبت له أنني صادق في قولي ولكن بعد فوات ألأوان. ظل فاروق ينقل وأخذ درجة كاملة . جلستُ وحيداً عند صنبور الماء الوحيد في الحديقة وبكيت حتى تورمت عيناي. منذ تلك اللحظة قررت أن أدخل قسم اللغة ألإنكليزية وأكون مترجم من الدرجة ألأولى وأخبر كل العالم بذلك. قبل الحادثة كنت قد قررت أن أدخل قسم التاريخ مثل شقيقي – هادي وأصبح مدرس في كلية من كليات العراق وكان شقيقي- معاون المدير – في ذلك الزمن. لم يعد أستاذ عباس ينظر إلي منذ تلك الحادثة وأهملني بكل ماتعنية هذه الكلمة من معنى وكنت أغيب أحياناً في درسه.وتخرجت من الكلية بدرجات جيدة وإنخرطتُ في مرافقة الوفود الصحفية العالمية وكنت أحدثهم عن تلك الحادثة في مكل مناسبة. لم أر فاروق من عام 1978 حتى هذه اللحظة ربما مات في الحرب أو هاجر الى دولة أخرى لكنه ظل في ذاكرتي كرمز للدمار ...دمار الحالة النفسية التي تصيبني كلما تذكرتُ نظرات أستاذ عباس الغاضبة |