مابعد الأزمة ..!

 

تطايرت في اليومين الماضيين خطابات التهدئة بين المحتجين والحكومة لاحتواء التوترات المتصاعدة في أزمة مرشحة للانفتاح على كل الاحتمالات ، لكنها تبدو خطابات النار تحت الرماد لأنها ملغومة بالتهدبدات والانذارات واحتمال أن يكون السلاح من أهم أدوات الصراع الدائرالآن في البلاد !
ولأن الأزمة اكبر من الكلام ،المهديء والمحرض معا ،فان المواطن يشعر بقلق شديد من ان الرماد سرعان ما تجليه رياح الأزمة فيجد المواطن نفسه أمام الجمر المستور واللهب المتصاعد من كل الستفيدين مما يجري الآن في العراق.
الحياة الآن رغم المظاهر "الطبيعية" التي نشهدها حتى في المحافظات البعيدة عن نار الازمة نسبيا ،الا انها حياة مرتبكة مشحونة بتوترات نفسية شديدة ،لو كنّا في بلد آخر لامكن رصدها وتحليلها وقراءة نتائجها على مجمل الفعاليات الحياتية اليومية .. الحركة الاقتصادية شبه مشلولة في محافظات التوتر ومنع التجوال والعمليات العسكرية التي لايعرف المواطن متى تندلع وفي أي ساعة من ساعات اليوم تدهم حياته ، والمواطن في مشهد الأزمة هذا يخشى من رنة الموبايل لاته يتوقع خبرا سيئا عن قريب أو صديق أو اي فرد من العائلة ، هذه النتاجات السيكولوجية لن تذهب وتختفي مع الأزمة كما ان اثار حروب صدام العبثية لم تنته برحيله وما الارضية التي نشأ عليها العنف في البلاد بهذه السهولة الا نتاجا لتلك المرحلة المتخمة بالحروب الداخلية والخارجية .
لذلك نحن لانحتاج ،الآن وفيما بعد ،الى تهدئة من نوع الخطابات ،لان الازمة الحالية لو مرت بسلام فاننا سنواجه الازمة الاجتماعية النفسية لجيل جديد نهض ،مكملا الجيل الذي سبقه ، في مواجهة مشهد عنف حياتي متواتر ومتصاعد دخل الى بيوت الناس فعليا لان شرارات الأزمة قد طالت الجميع بشكل من الاشكال .
في اوربا مازالت مراكز للبحوث تعمل على ازالة الآثار النفسية التي تركتها الحرب العالمية الثانية في نفوس الناس من الجيل الذي شهدها والجيل الحالي الذي يتوقع اندلاع حروب من نوع آخر وان اندلعت واحدة منها متمثلة بالارهاب فيما المخاوف تركت آثارها على جيل كامل في سنوات الحرب الباردة بين العملاقين السوفيتي والاميركي تحت مظلة ماسمي ب "توازن الرعب" والمقصود به الرعب النووي في منطقة متخمة حتى الاسنان باسلحة خيالية للدمار.
نعم ستنتهي الازمة على شكل من الاشكال ولو استخدم فيها العنف المفرط ، ولو انجررنا الى صراع من نوع اطول اذا ترجع الحمائم وتقدمت المشهد صقور الحكومة والمحتجين ، لكننا في النهاية سنجد مجتمعا محطما نفسيا واقتصاديا ، مجتمع لاتستطيع ان تنهض به طبقة سياسية حاكمة مثل التي نشهدها وهي طبقة الأزمات وليس البناء لانها تفتقر الى هذه العقلية بشكل شبه مطلق ومن يتابع حركة "البناء" والفساد المالي والأموال المهدورة وطبيعة ماتم "اعماره" سوف لن يختلف كثيرا مع هذا الاستنتاج ..
مابعد الأزمة هو الاصعب ومع الاسف سوف لن نجد امامنا حكماء العلاج وانما طبقة سياسية جديدة تشتغل على نوع جديد من صناعة الازمات بامتياز !!