رحلة الصَّيف والشّتاء

هل‭ ‬الحياة‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬الهدايا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الصّيف‭ ‬والشتاء،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نعبر‭ ‬صحراء‭ ‬الروح‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الينابيع‭ ‬لنروي‭ ‬عطشنا،‭ ‬وأسئلتنا‭ ‬لتتحول‭ ‬جيناتنا‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬آخر‭. ‬العرب‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭ ‬وفي‭ ‬قرار‭ ‬اختياري،‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬رحلتهم‭ ‬سببها‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الماء‭ ‬وجمع‭ ‬المال،على‭ ‬آمل‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الأوطان،‭ ‬وقد‭ ‬صدقت‭ ‬الأغنية‭ ‬الشهيرة‭ ‬للفنانة‭ ‬فيروز‭ ‬لما‭ ‬قالت‭ ‬‮«‬سنعود‭ ‬يوما‭ ‬إلى‭ ‬حينا‮»‬‭ . ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬كانت‭ ‬الرحلة‭ ‬تغيير‭ ‬للانسان‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬والذهن،‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭.‬

في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هواء‭ ‬طلق،‭ ‬هواء‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬صور‭ ‬تاريخ‭ ‬مصيرنا،‭ ‬ومصير‭ ‬الحضارات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬طريق‭ ‬مجازفتها،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬اليابسة‭ ‬عنوانها‭ ‬البارز‭ ‬لتعانق‭ ‬أفقا‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة‭ ‬وشساعة،‭ ‬إما‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الخوف،‭ ‬أومن‭ ‬حروب‭ ‬متوقعة‭ ‬تبدأ‭ ‬ولاتنتهي،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬عزلة‭ ‬زادت‭ ‬عن‭ ‬حدها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تراجعت‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬الرقيق‭ ‬الأبيض‭ ‬وأيضا‭ ‬اختفاء‭ ‬تجارة‭ ‬القوافل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتاجر‭ ‬في‭ ‬الذهب‭ ‬والملح‭ ‬والرقيق‭ ‬والتوابل‭ ‬والحناء‭ ‬والحرير‭ . ‬على‭ ‬أي‭ ‬العرب‭ ‬هاجروا‭ ‬ومنهم‭ ‬الجنود‭ ‬بعتادهم،‭ ‬والفلاسفة‭ ‬بعقلهم،‭ ‬والمتصوفة‭ ‬بقلوبهم،‭ ‬والسّاسة‭ ‬بدهائهم‭ ‬ومكرهم،‭ ‬والشعراء‭ ‬بخيالهم‭.  ‬وهل‭ ‬فعلا‭ ‬كانت‭ ‬الأندلس‭ ‬أرض‭ ‬فرح‭ ‬أم‭  ‬أرض‭ ‬شقاء‭ ‬وعناق‭ ‬متدفق‭ ‬الألغاز‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬خاصة‭ ‬الخاصة‭. ‬ففي‭ ‬الأندلس‭ ‬تاريخمطروز‭ ‬منه‭ ‬المدون‭ ‬ومنه‭ ‬الصامت،‭ ‬فتاريخ‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬ليس‭ ‬كتابة‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أنفاس‭ ‬صناع‭ ‬ومهرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الأقواس‭ ‬وشحذ‭ ‬السيوف،‭ ‬ومظلة‭ ‬تحمي‭ ‬الحاكم‭ ‬والقائد‭ ‬السياسي‭ ‬حينئذ،‭ ‬وما‭ ‬الغناء‭ ‬والرقص‭ ‬والموسيقى‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬تغطي‭ ‬سياسة‭ ‬الحاكموالمحكوم‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬إثنيات‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬مسطرة‭ ‬القول‭ ‬والحقيقة‭. ‬عموما‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬أبدعوا‭ ‬خيالا‭ ‬جديدا‭ ‬يفوق‭ ‬خيال‭ ‬الصحراء‭ ‬،‭ ‬ويصنعوا‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة‭ ‬لرحلة‭ ‬الصيف‭ ‬والشتاء‭.‬

وعاش‭ ‬باحثون‭ ‬ورحالة‭ ‬وفلاسفة‭ ‬قلقا‭ ‬وجوديا،‭ ‬وشقاءً‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬وأيضًا‭ ‬تعبا‭ ‬مضنيا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولنتذكر‭ ‬رحلة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬الرجل‭ ‬المغامر،‭ ‬ونسأل‭ ‬عن‭ ‬طارق‭ ‬بن‭ ‬زياد‭ ‬الرجل‭ ‬الأمازيغي‭ ‬البطل،‭ ‬الذي‭ ‬أحرق‭ ‬السفن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعطاء‭ ‬شرارة‭ ‬بناء‭ ‬تاريخحضارة‭ ‬كبيرة،‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الوجدان،‭ ‬والحسبان،‭ ‬بحدائقها‭ ‬المعلقة‭ ‬في‭ ‬الخيال‭.‬

وماذا‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬لما‭ ‬أضاءت‭ ‬الحضارة‭ ‬بثرائها‭ ‬وسخائها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الفرح‭ ‬يطرق‭ ‬سبيلهم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬قلقا‭ ‬مدسوسا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الانشراح‭ ‬المتماهي‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الترف،‭ ‬فحياة‭ ‬الصحراء‭ ‬القاحلة‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬بصمتها‭ ‬على‭ ‬بصائرهم‭ ‬يمنون‭ ‬العودةعلى‭ ‬أمل‭ ‬اللقاء،‭ ‬وكلّ‭ ‬سيَر‭ ‬الرّحلات‭ ‬القديمة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬جلها‭ ‬كان‭ ‬بغرض‭ ‬الفتوحات‭ ‬أو‭ ‬طلب‭ ‬علم،‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المتصوفة‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬استقروا‭ ‬بالمشرق‭ ‬مثل‭ ‬الشاذلي،‭  ‬وسيد‭ ‬بدوي‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والشام‭.‬