الشركات الأمنية الخاصة .. إنتهاك للسيادة |
بلاك ووتر الأمريكية التي تعد من أكبر جيوش المرتزقة المثيرة للجدل في سفك دماء المدنيين العراقيين. فضلاً عن شركة تيتان العسكرية التي اشتركت في تعذيب واستجواب المعتقلين العراقيين. وبجانب هاتين الشركتين توجد شركات أمريكية أخرى أمثال واين كروب انترنشنال وتربيل كانوبي. وكذلك شركات بريطانية منها آرمر كروب وايجيس ديفنس سيرفيز وغيرها. أن جريمة ساحة النسور ما تزال ماثلة أمامنا عندما أقدم عناصر البلاك ووتر على قتل وجرح العديد من المدنيين العراقيين. فرغم أن وزارة الداخلية العراقية أصدرت قراراً في 17-9-2007 بإلغاء عمل الشركة الأمنية داخل الأراضي العراقية. إلا أن هذا القرار سرعان ما تحول من إلغاء إلى “تعليق مؤقت” ومن ثم ذهب أدراج الرياح واستأنفت بلاك ووتر عملها المعتاد. من بين بنود الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة هي حصانة الجنود الأمريكيين وكذلك المرتزقة المتعاقدين من الملاحقة القانونية لأي جرم يرتكبوه. وأن القضاء الأمريكي هو المرجع الوحيد وليس القضاء العراقي. وبما أن جماهير العراق رفضت هذا السلوك وعبرت عن موقفها في المظاهرات والمسيرات في العديد من المدن والمحافظات العراقية. كما وأن الرموز الوطنية والدينية والاجتماعية وبقية الغيورين من أبناء العراق لم تكف عن التنديد بهذه الاتفاقية.أن حكومات الاحتلال هي من صنع الاحتلال الأمريكي أولاً. كما وأنها تبقى مسلوبة الإرادة تجاه أسيادها ثانياً. وبالتالي لا تستطيع محاسبة جرائم هذه الشركات الأمنية المتعاقدة أما مع وزارة الدفاع الأمريكية أو وزارة الخارجية الأمريكية حتى لو أسقطت عنها الحصانة. وإذا كانت هناك محاسبة مستقبلية، فلا تعدو عن كونها صورية الشكل والمضمون.السبب الخفي والحقيقي لرحيل جيوش المرتزقة يكمن في بسالة المقاومة العراقية وضراوتها البطولية في المجابهات اليومية ضد قوات الاحتلال الأمريكي. هذه الحقيقة التي تعمل إدارة بوش بكل ما أوتيت من قوة وسطوة إعلامية على إخفائها أو تسطيحها عن عمقها الشعبي والجماهيري والتي باءت كلها بالفشل. أن الملياردير إريك برينس مؤسس شركة بلاك ووتر عام 1995 والذي ينتمي إلى التيار المسيحي اليميني المتطرف ويعمل على توسيع القوة المسيحية حول العالم.يمكن القول إن انتشار الشركات الأمنية الخاصة على الصعيد العالمي وتأديتها لأدوار متعددة في النطاقات الأمنية والعسكرية مرتبط بشكل رئيسي بالتغيرات التي تبعت نهاية الحرب الباردة، وتزايد الحديث عنها مؤخرًا بعد تناسيها النسبي عقب فضائح شركة بلاك ووتر في العراق سنة 2007. يشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصورة عامة إلى شركات تجارية تبرم عقودًا قانونية، تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني ويشمل نشاطها تقديم خدمات عسكرية متعلقة بالتخطيط الإستراتيجي والاستخبارات والتحقيق والاستطلاع البري أو البحري أو الجوي . تعتبر الشركات الأمنية الدولية الخاصة أحد أهم مظاهر العولمة الأمنية، فقد أشارت التقارير المختلفة إلى أن هذه الشركات تمتلك معسكرات تدريب وسجونا لا تخضع للقوانين المحلية، وهو ما يشكل تهديدًا واضحًا للسيادة التي تمثل أبرز سمات الدولة للمحافظة على هيبتها . وهكذا، في ثنايا مناخ غير مستقرٍّ وموسوم بانتشار الإرهاب وسطوة الجماعات المسلحة، ومع تعدُّد الانقلابات وازدهار أنشطة التهريب أصبحت إفريقيا بمثابة “المجال الحيوي” للشركات الأمنية التي تقوم أيضًا بعمليات تدخل في إفريقيا، على غرار غينيا ، ويُشير الخبراء في مجال “إدارة التهديدات الدولية” إلى الخطورة التي ينطوي عليها غياب تنظيم قانوني لنشاط هذه الشركات، ويرون أنه من الضروري اعتماد إطار قانوني يُنَظِّم أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، حتى لا تُشَكِّل وضعًا تفرض من خلاله هذه الشركات إملاءاتها على الدول، التي ستكون حينئذٍ قد تخلَّت عن دورها السيادي بتأمين وظيفة الدفاع، كما ان في الشرق الأوسط: مهام متعددة واستغلال واسع لتردي الأوضاع الأمنية في دول المنطقة .أدّى تدهور الأوضاع الأمنية في عدد من دول الشرق الأوسط إلى تزايد الطّلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصّة، إذ لم يعد دور هذه الأخيرة مقصورًا على النطاقات المحدودة التي كانت تحكم نشاطها سابقًا، في ظل التوسع الطاغي في أنماطها وقدراتها العسكرية، وفي ظل تصاعد احتياجات دول الإقليم لخدماتها، بل تبدّلت أدوارها الرئيسية وتنامت وأضحت تتعلق بتقييم المخاطر وتقديم الاستشارات الأمنية وحماية القيادات وتأمين المنشآت بالإضافة إلى الخدمات العسكرية المختلفة. أما فيما يخص تقديم الاستشارات الأمنية، فقد قامت شركات مثل دينكورب وآرمور غروب، بتدريب قوات الشرطة والجيش العراقيين، كما تعاقدت الأمم المتحدة مع الفرع الأفغاني للشركة البريطانية إ س ج سكيوريتي لتدعيم القدرات العسكرية والقتالية لأفراد الشرطة الأفغانية الوطنية. وشاركت شركة دينكورب كذلك في دعم بعثة الأمم المتحدة في السودان من خلال عمليات إنفاذ القانون، وكمستشارين في القضاء، وفي تدريب وتجهيز وتوجيه قوات الشرطة السودانية، وذلك عبر وجودها كجزء من القوات الأمريكية، وينطبق الأمر ذاته على قيام شركة إ س فينال بتدريب قوات الجيش العراقي بعد إعادة تشكيله عقب الاحتلال الأمريكي، وقيام شركة كوبيك بتدريب بعض الوحدات لتتطابق مع معايير حلف شمال الأطلسي، فضلا عن شركة استراتيجيات المخاطر العالمية غلوبال ريسك التي قدمت استشارات أمنية للعراق وأفغانستان خلال مرحلة إعادة بناء جيشيهما الوطنيين. يبقى هنا الحديث عن دورها العسكري، والذي يعد الأكثر أهمية، إذ يقترب دورها من أنشطة المرتزقة في بؤر النزاعات المسلحة، وتعد شركة بلاكووتر الأمريكية الشهيرة المثال الأبرز على هذا النمط، حيث شاركت في الأعمال العسكرية بالعراق وأفغانستان لصالح الولايات المتحدة. وتملك هذه الشركة قاعدة بيانات نحو21000 جندي سابق من القوات الخاصة تستطيع الاستناد إلى خدماتهم، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة الشركات الأمنية الخاصة: أية تهديدات على الأمن القومي للدول . أن الاعتماد على شركات الأمن الخاصة يؤدي إلى خلق حالة من الاعتمادية، لأنها تقوم بوظائف الأمن التي تعجز السلطات المحلية عن القيام بها، مما يترتب عليه ضعف قطاع الأمن الوطني في هذه القطاعات، ومن جهة أخرى، يُشكل العمل في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جذبًا ماليًّا للأفراد حتى بالنسبة للذين لا يزالون يخدمون في القوات المسلحة الوطنية، خاصة أن بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مدرجة في قائمة أسواق الأسهم والسندات، وتحقق أرباحًا لمستثمريها. الأمر الذي يدفع العاملين في قطاع الأمن الوطني إلى تقديم استقالتهم، والسعي للعمل لصالح هذه الشركات، وهو ما يخلق إشكالية مؤسفة في حالة الدول الضعيفة التي تحاول إعادة بناء قواتها، كما هو الحال في أفغانستان. |