نظام للرّق ، لمواجهة أزمة البطالة |
إنه نظام (الأجير اليومي ) ، وهو مبدأ لا يقلّ ظلما عن العبودية واقعا ومبدءا ، تمخضت عنها عقول مريضة لا لشيء سوى لإمتصاص شيء من النقمة العارمة ومحاولة للخروج من أزمة (بخس الحقوق) المزمنة بين الخريجين وحملة الشهادات من العاطلين ، أزاء المزورون والمتحزبون والمعسكر القديم المتشبث بالكرسي الوظيفي رغم بعده الشديد عن مواكبة العصر ، والذي لا يفقه شيئا سوى البيروقراطية المتخلفة التي توارثها منذ عصور مظلمة سابقة ، أما مَن لديه روح الإبداع والحرص الذي يمليه عليه الحس الوطني السليم ، فسيجد السكاكين مشرعة لنحر هذا الإبداع ، وسيتعرض للنفاق والقيل والقال من قبل الأقران الأعداء ! ، وسيجد نفسه الطير الوحيد المغرد خارج سرب ميت ، عندها عليه أن يختار ، بين التظاهر بالموت كأقرانه والخضوع للتدجين ، أو البحث عن سرب آخر في رحلة ضياع ! ، ورغم كون مبدأ (الأجور اليومية) مجحف إلى أبعد الحدود ، وإنه يشكّل نعمة كاذبة ، إلا إنه مبدأ يستجير به الباحثون عن العمل من النار ، فيتهافت الشباب عليه ، تهافت الفراش على النيران ! ، مدفوعون باليأس الشديد ، وساعون وراء أمل أكذبُ من السّراب ، أوجَده كاذبون لا يفون بوعودهم !. ولنأخذ أمثلة في وزارة العلوم والتكنولوجيا ، ووزارة الصناعة ، والدارج إن هاتين الوزارتين (كحيانة ، وما بيها خُبزة) ! ، مقابل وزارات أخرى غنية عن التعريف ، والتي تضم بُرَكا تعج بالتماسيح ! ، والمواطن العادي ينظر لتلكما الوزارتين على أنهما زائدتان دوديتان ، وهو محق تماما في هذا ! ، فما هي إنجازات هاتين الوزارتين على صعيد حياة المواطن العادي اليومية ؟ ، سوى مؤتمرات فارغة لذر الرماد في عيون المراجع المتخلفة هي الأخرى لتبرئة الذمة الميتة من التقصير والجمود أمامها ! ، ومعارض لأجهزة غير تنافسية على الإطلاق لأنها أغلى ثمنا وأردأ نوعية وأقدم من الأجهزة الدارجة في السوق ؟! ، ما دورهما في معالجة مئات الأزمات التي تعصف بالمواطن ، فتخفف عنه ، خصوصا في مجال الطاقة ؟ الأجدر بهذه الوزارات أن تكسر حالة الجمود التي طالت كثيرا ، وتتحول إلى خلايا نحل دائبة لمواجهة التحديات الهائلة ، وبالتالي إعتناق الشباب وأستمالتهم وإحتضانهم ، هذه الوزارات قد إختفى فيها التصنيع ، وتحولت إلى (دكاكين) لتجميع القطع المستوردة ليس إلا ، فأين إنتاج مصانع الحديد والصلب ، والبتروكيمياويات ، والإطارات ، والصناعات الكهربائية والبطاريات ، وإن توفرت ، فلماذا يكون سعرها أغلى من الماركات الأخرى المستوردة ؟ ، ماذا تنتظرون بحق الجحيم ! ، إلى متى تبقون أمواتا إستهلاكيون ، وعبئا كبيرا ؟ ، متى تدبّ فيكم الحياة فينجلي الصدأ عن مئات المعامل ؟ ، لماذا توقف نهائيا دعم القطاع الخاص ومعامل الطابوق ؟ ، وتجد في السوق خلايا شمسية من إنتاج الصناعات الإلكترونية ، وهذه المنشأة تقوم بتجميع وربط هذه الخلايا المستوردة ، ووضعها خلف زجاج (مستورد هو الآخر) وإحاطتها بإطار مستورد ! . ولا يقف الظلم إلى هذا الحد ، فالأجراء اليوميون مهددون بصورة شبه يومية بالطرد ، إما مباشرة بسوء معاملتهم ، أو بإصدار (فرمانات يومية) بتقييد عملهم وتشذيب إمتيازاتهم (القليلة للغاية) ، وسرقة جهودهم لتُنسب إلى أحد (الديناصورات) المستلقية كالجثث على الكراسي ، والتي لا يهمها سوى نوعية (الريوگ) الصباحي والراتب ! ، وطبعا تقييد وعرقلة أي مقترح للنهوض بهذه الوزارات الكسيحة ! ، تلك الديناصورات التي تقتل نظام الحوافز بحق الاُجَراء اليوميون ولو كانت معنوية ، بل وتشح عليهم ولو بكتاب شكر ، فماذا سيكلّفكم ذلك ؟ ، والأغرب إن التقشف ، شماعة العجز والجمود وموت البحث والتطوير والتصنيع لا يعرف طريقا إلا لهؤلاء ، وللمتقاعدين ، وشرائح الطبقات المسحوقة !. في وزارة الصناعة ، يتقاضى الأجير اليومي مبلغ 200 ألف دينار ، يتساوى فيه حامل شهادة الماجستير مع عامل النظافة ، يَستقطع من هذا الأجر كلفة خط النقل ، لأن الدولة ترفع يدها تدريجيا عن دعم كلفة النقل ! ، وبذلك تصل يومية الأجير إلى 4000 دينار ! ، فيا لرخصكم ويا لبخلكم ، وأنتم تجعلون أجور شبابنا الخريجون ، وبالذات الشرفاء منهم ، لأنهم باحثون عن لقمة الحلال ، وممن لديه ما تبقى من إرادة خيّرة لخدمة الوطن ، أقل كلفة بكثير من المستخدَم البنغالي ! ، فأنتم وأمثالكم من يدفعونهم للإنخراط في الإرهاب والجريمة ، وسلوك طرق الإثراء المختصرة والسريعة المريبة حتما ! ، بعد أن سددتم بوجوههم كل أبواب الأمل بالعمل بشرف . بربكم (إن كان لكم ربّا) ! ، ماذا يفعل الأجير بهذا المبلغ التافه ، تفاهة من وضعه ؟ ، أين ذهبت تريليونات الدنانير ؟ فهذا المبلغ لا يكفي حتى للخبز نصف اليومي ، فكيف بمتطلبات الحياة الأخرى ؟ بماذا يختلف عن نظام الرقّ ؟ّ ، لا بل ربما للعبد حتى في العصر الجاهلي والروماني حقوقا أكثر ! ، كل هذا ويقع عليهم العبء الأكبر من العمل الميداني من أعمال التأسيس والتصليح والصيانة والمراجعات للدوائر وغيرها ، أعرف الكثير منهم مَن أعاد الحياة لأجهزة علاها الغبار ، لأنها حبيسة الرفوف ولا يعرف (الرعيل القديم) عملها ! ، أما تستحون ؟ وأنتم تسترخصون أنفسكم وهي تشح على هؤلاء المساكين المخدوعين ؟ على مَن تضحكون ؟ ، أنتم بذلك تقتلون روح المبادرة والإبداع لديهم فماذا تنتظرون منهم ؟ فحتى لو إنقطع نفس الأجير اليومي من العمل ، فهو يعلم ، أن لا رصيد قد يشفع له ، أو تترتب عليه الآثار لأجل تعيينه ، يعلم جيدا أن الكفاءة آخر ما يهم ، فأي خيبة أمل تلك ؟. هنالك أجَراء يوميون في وزارة الصناعة منذ 6 أعوام ! ، فأي أمل هذا الذي يتلقّاه الوافد الجديد ؟! ، وهو يرى طريقا مليئا بالأشواك ، قد يوصله لمرحلة (التعاقد) ، وبعده ثمة طريق آخر قد يكون أشد وعورة ، ذلك الذي (قد) يؤدي إلى التثبيت على الملاك ، وبالتأكيد سيقطعه عليه (لوگي) أو إمّعة ، ليصفّر العدّاد ! |