في كل سنة مرت بعد العام ٢٠٠٣ ترتفع أصوات ويحتدم نقاش وتتعدد آراء كتاب وسياسيين عن موضوع التغيير أو السقوط أو التحرير أو الاحتلال، تسميات تعددت حسب مناحي تفكير أصحابها ومواقفهم من ذاك النظام أو هذا القائم الآن لموضوع واحد أو حدث واحد غيّرَ واقع العراق تماماً شئنا أم ابينا. والملاحظ أن الانصاف في التشخيص والمقارنة بين نظامين مختلفين ليس سهلاً، فهو يحتاج الى تجرد جهد الامكان من عوامل تأثير العاطفة والانحياز لتشخيص ما جرى عبر الـ 14 عاماً الماضية، فالخوض في جوانب الكتابة والبحث بهذا الشأن يمكن البدء به من حقيقة هي أن الإدارة الديكتاتورية لذاك النظام وتفرد الحاكم وقسوته المفرطة وأخطائه القاتلة هي من أحدثت فعل التغيير على يد أجنبي استغلها تماماً وبتأييد غالبية العراقيين في ذاك الوقت، رغبة منهم بالخلاص من ثقل كان يجثم فوق صدورهم ولهذا لم يفكروا في حينه من سيكون هذا القادم لرفعه ولا بطبيعته ونواياه وأهدافه القريبة والبعيدة، وهم مقتنعون أنه خلاص وتغيير لا يمكنهم القيام به الا عن طريق هذا الأجنبي. إن المشكلة في موضوع النقد والمقارنة بين نظامين في زمنين مختلفين مشكلة نفسية تتعلق أصلاً في ميل العقل الانساني الى كبت الذكريات والانفعالات القديمة المؤلمة وطيها في أعماق الذاكرة وابقاء تلك التي عاشها ويعيشها في القريب، على هذا يمكن القول اننا نسينا كم كان راتب الموظف الذي لم يؤمّن أحياناً طبقة بيض، ونسينا اعتقالات منتصف الليل وعدم النوم قلقاً بعد تبادل حديث فيه نقد للرئيس، وأيام حروب في كل لحظة فيها شهيد، وتسلط أبناء الرئيس واستهتار أقاربه والجيش الشعبي ومكارم الحزبيين والاعدامات لأتفه الاسباب ومن ثم الاعتذار لعائلة المعدوم واعتباره شهيدا، والمقابر الجماعية والتسفير وضرب الأبناء بالأسلحة الثقيلة والكيمياوية في جنوب العراق وشماله وفي الغرب، وأمور أخرى كثيرة تحتاج الى مجلدات لانعاش ذاكرة تتجه الى النسيان والمقارنة وتلميع صورة الماضي المشوهة. لكن الحاضر لم يكن في بعض جوانبه كما تمناه الراغبون في التغيير والمصفقون لحدوثه، ولم يخلُ من أخطاء حتى عدت كثيرة في الادارة والحكم واستشراء الفساد ومساعي الاستحواذ على المناصب والدرجات وفلسفة الديمقراطية التوافقية والتناحر الحزبي والانفلات المجتمعي وغيرها، الا أن الأهم في المقارنة هو أن الأخطاء التي ارتكبت بعد التغيير واقامة النظام الجديد هي أننا المسؤولون عنها أولا، فنحن من ننتخب ونختار، ونحن القادرون على توجيه اللوم المباشر والحساب، ونحن المعنيون بما يحصل من انفلات في التعامل الاجتماعي وفي التقصير الوظيفي وفي مد اليد على أملاك الدولة والتجاوز على أراضيها واذا لم نعدل من سلوكنا هذا، فانه لن تتمكن أية حكومة ننتخبها من التعديل وسنبقى نلوم أنفسنا ونجلد ذاتنا الى يوم الدين
|