الاستفتاء التركي يجرد اردوغان من صلاحيتين كبيرتين |
مازالت الصحف الغربية تنشر الشائعات والأكاذيب حول نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي جرى يوم الأحد الماضي في تركيا حول التعديلات الدستورية والنظام التي ستنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. الصحيفة الألمانية هامبورغ مورغنبوست نشرت حزمة من الأكاذيب تحت العنوان التالي «هذا هو سبب اختيارهم الدكتاتورية». ومن العنوان فقط يمكن للقارئ أن يفهم الذهنية العدائية لدى إدارة تحرير هذه الصحيفة. فكيف لشعب واعٍ ووطني كالشعب التركي الذي تصدى قبل أشهر قليلة لمحاولة انقلابية على الديمقراطية والإرادة الشعبية أن يختار في هذا الاستفتاء نظاماً دكتاتوريا؟ وإن كان النظام الرئاسي الذي اختاره أكثر من نصف الناخبين الأتراك دكتاتوريا، فعلى الشعبين الفرنسي والأمريكي أن يثورا على الدكتاتورية الرئاسية التي تحكمهما. أما الصحيفة النمساوية دي برس فكتبت تحت عنوان «أردوغان يستولي على السلطة» أن المعارضة تطعن في نتيجة الاستفتاء. وفي هذا مغالطة كبيرة، إذ أن قسما كبيراً من الأحزاب المعارضة للحزب الحاكم تدعم تلك التعديلات الدستورية بل وشارك ثاني أكبر أحزاب المعارضة في صياغتها. الصحيفة الفرنسية لوموند تحدثت تحت عنوان «اردوغان ينتصر وتركيا تنقسم» عن انقسامات في المجتمع التركي حول نتيجة الاستفتاء. ولكنها لم تأت بجديد لأن الخلاف والاختلاف في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية وبشكل علني وصريح هو مخرجات الديمقراطية التي تدعي صحف غربية أخرى أنها باتت مهددة في تركيا بعد الاستفتاء. وتحت عنوان «اردوغان الانتصار والتحدي» تناولت الصحيفة الإيطالية الماتينو موضوع أوراق التصويت غير المختومة بأسلوب ساخر، قائلة إن اردوغان هزم زعماء الصليبيين بأوراق غير مختومة، في إشارة منها إلى تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المتعلقة بالهوية المسيحية للاتحاد الأوروبي. إن القارئ لما تنشره الصحافة الغربية منذ يوم الإعلان عن نتيجة الاستفتاء يرى أن جلها يجمع على انتصار اردوغان وحزب العدالة والتنمية. لكن في ذلك مغالطة كبيرة، إذ أن الاستفتاء التركي الأخير ليس الفائز فيه اردوغان، ذلك لأن النظام الرئاسي ربما لن يستفيد منه اردوغان شخصياً، إذ أن المواد المتعلقة بالنظام الرئاسي لن تدخل اي حيز إلا بعد انتخابات 2019م. واردوغان نفسه لم يؤكد إلى اليوم أنه سيترشح لتلك الانتخابات. أما الصحف التي تتحدث عن انتصار حزب أردوغان، فإن أردوغان قد استقال من حزبه عندما تم انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2014م. ثم إن حزب العدالة والتنمية ليس وحده الذي دعا إلى التصويت بنعم على هذه التعديلات الدستورية. فثمة كذلك حزب الحركة القومية الذي شاركه في إعداد هذه التعديلات. ودعم التعديلات الدستورية كذلك حزب الهدى المنتشر بين المواطنين الأكراد في شرق تركيا وجنوبها الشرقي، وحزب الوحدة الكبرى ذو التوجهات القومية الإسلامية. ومن الشائعات الأخرى التي تنشرها الصحف الغربية، أكذوبة الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية، التي تخولها مواد الدستور المعدلة. إن التعديلات الدستورية الأخير لا توسع من صلاحيات رئيس الجمهورية، بل بالعكس فهي تقلصها وتضع الرئيس تحت رقابة البرلمان وتحت طائلة المحاسبة القضائية. وكانت رئيس الجمهورية في الدستور القديم حصانة تجعله بعيداً عن المحاسبة القضائية إلا إذا وجهت له تهمة خيانة الوطن، وهي تهمة هلامية يمكن تأويلها بأشكال مختلفة. أما التعديلات الدستورية الحالية فهي تجعل رئيس الجمهورية خاضعاً للتتبعات العدلية على أي تهمة بأي جنحة أو جناية تُوجه إليه. وكان رئيس الجمهورية في الدستور القديم يستطيع إصدار قرارات ترتقي إلى مستوى القوانين، لكن التعديلات الحالية قد سحبت منه تلك الصلاحيات، ليصبح مخولاً لإصدار قانون الميزانية فقط. ويحتاج ذلك القانون إلى مصادقة البرلمان كي يصبح ساري المفعول. إن الأمر الذي لا يكشف عنه إعلام الغرب هو أن التعديلات الدستورية الأخيرة توحد بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء كي يتم القطع مع الصراعات داخل السلطة التنفيذية. وهذا ما يزعجهم في الحقيقة. فهم يريدون تركيا غابة من الصراعات والأزمات كي لا تتمكن من التقدم وتحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية الكبرى التي حددتها لعام 2023م. |