قصص الحب في تاريخنا

 

هو رجل من أهل البلقاء بالشام . تزوج من عفراء ابنة عم وحبيبة عروة بن حزام بن مهاجر من بني عذرة القبيلة التي ينسب اليها الحب العذري . هذا الرجل الذي لانعرف اسمه كان مثلاً لذوي الاخلاق الرفيعة والنبل الذي يقيم للحب امراً لا يقيمه سواه . ذلك لأن عم عروة الذي كفله بعد موت ابي عروة طلب من عروة مهراً لزواجه من ابنته لم يستطع عروة تلبيته فسافر الى اليمن ممتهناً التجارة وحين استحصل مبلغ المهر من تجارته عاد الى قبيلته ليجد ان عفراء قد زوجّها ابوها من ذلك الرجل الشامي , فشدّ عروة الركاب لكي يسافر الى البلقاء بالشام عسى ان يرى حبيبته عفراء , وحين التقى بها وبزوجها اكرمه الزوج غاية الاكرام واحسن وفادته واستضافه في داره وامعن في الاحسان اليه فخجل عروة من فعلته فقرر العودة الى قبيلته مهموماً كئيباً حزيناً باكياً على حبه المفقود فمات في الطريق ودفن في وادي القرى , وحين بلغ الامر عفراء شدّت الرحال اليه وزارت قبره وحين جاء اجلها دفنت الى جواره , ونبتت كما يروي الرواة شجرتان متعانقتان عند قبريهما , وقد قال عروة قبل رحيله الى الشام:

 

وقلت لعرّاف اليمامة داوني

 

                        فأنك ان ابرأتني لطبيب

 

فما بي من سقم ولاطيف جنة

 

                      ولكنّ عمي الحميري كذوب

 

وما عجبي من موت المحبين في الهوى

 

                      ولكن بقاء العاشقين عذوب

 

في الحب العذري دراسات كثيرة , وهو نوع من الفواصل البيض والوضاءة في تاريخنا الثقافي العربي وقد امتدت هذه الدراسات لتشمل فن الغزل عند العرب والتفنن في وصف الحب والمحبين واخبارهم واشعارهم وقد زاد عليه الرواة في العصور اللاحقة اخباراً قد لا تكون صحيحة وواقعة من الناحية التاريخية ولكنها مشوّقة وجميلة .

 

 خاصة حين تنفرد قبيلة عربية بهذا النوع من الغزل, فصار اسمها لصيقاً بهذا النوع من الشعر دون سواه. الآن كيف ننظر الى عم عروة الذي منعه من الاقتران بحبيبته ابنة عمه والذي وصفه بالكذوب مطالباً اياه بالمهر المستحيل . ومن ثم الى زوج عروة الشامي المتحضر صاحب الذوق والاخلاق الرفيعة , فشتان مابين الاثنين وبين رؤاهما وتبقى قصة عروة مع عفراء .

 

كما هي قصة قيس بن الملوح مع ليلى وغيرهما الكثير مما تزخر به بطون كتب التراث من اروع قصص الحب في تاريخنا .