الكوريتان .. حرب على الأبواب

 

هؤلاء هم من يصنعون الحروب الكبرى. وقد شهد التأريخ الكثير من هذه الوقائع. تبدأ بتصريحات، ثم بتهديدات، ثم بإستعراضات القوة، وبعدها يفلت زمام الأمور الى الحرب. جميع سيناريوهات الحرب، على الأغلب، هكذا. الآن، ترسانتان نوويتان قد يكونا غير متعادلتين. ولكن، أحدهما تلوح للأخر بأن علمها أعلى. وأنها القادرة على إلحاق الدمار بخصمها، وأنها تستطيع محقها، وإزالة أحداهما من على وجه الأرض. تصل الأمور في أحيان كثيرة الى حافة الهاوية. والخوف كل الخوف من حالة السقوط الى تلك الهاوية. وخاصة، أذا ما كان السقوط على يد أطراف مشهود لهما بعدم الإستقرار النفسي، ونقصد هنا القيادات. كما هو الحال لدى كلا الطرفين. وإحتماليه السقطات لديهما متوفرة.من هو المستفز؟ بالطبع كليهما، التلويح بإجراء تفجير نووي هو السادس من نوعه، وإطلاق صاروخين بعيدي المدى، يصل مداهما الى الأراضي الامريكية، بمناسبة الذكرى 105 لميلاد مؤسس جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، كيم أيل سينغ. والولايات المتحدة عندما حركت أسطولها البحري، قبالة السواحل الكورية الشمالية، وحدة بحرية ضاربة تتألف من حاملة طائرات وقطع مرافقة. وهكذا فعلها الرئيس السابق أوباما، وهي تهديدات تسمع منذ عشرة اعوام. أي إنها أستعراض للقوة، والتهديد، سابقاً. ولكنها قد تكون ليس كذلك هذه المرة. وقد كان الرد؟ إستعراض لم يكن له مثيل في تأريخ شبه الجزيرة الكورية، إرتجفت له كل من كوريا الجنوبية واليابان، على أقل تقدير، من هوله. عشرات الألاف من القوات البرية الخاصة،عالية التدريب، والتجهيز، القادرة على اجتياح كوريا الجنوبية، والتمسك بالأرض. وصواريخ تيبو تنج 2 القادرة على تدمير الجزر اليابانية. ونماذج اخرى من صواريخ متطورة جداً قادرة على فعل ما لا يسر الولايات المتحدة. والتصريحات الكورية الشمالية، بالتأكيد، ليست صادرة من العدم. سواءً نجحت في مساعيها هذه، أم لم تنجح. استراتيجيون يؤكدون، إن أي هجوم من الولايات المتحدة على كوريا الشمالية يعني حربا عالمية ثالثة. وكوريا الشمالية لن تستبق الضربة. والمعروف أن الولايات المتحدة غير قادرة على تدمير ترسانة الصواريخ الكورية الشمالية، المخبأة بعناية في كهوف الجبال. كما يقال عنها. وهي غير قادرة على منع كوريا الشمالية من إجراء تجربتها النووية السادسة. بعد أن التقطت أقماراً صناعية، مؤخراً، أظهرت إن موقع بونفيي – زي المخصص للتجارب النووية الكورية الشمالية، بات جاهزا لإجراء تجربة جديدة، حسب معهد نورث 38 المتخصص بكوريا الشمالية.

نفاد الصبر

وأمام هذه التطورات، وتسارع الأحداث، يسعى الرئيس الامريكي ترامب الى أن تكون الصين أكثر جدية في مسعاها بالتدخل في الأزمة. وعبر عن إعتقاده بأن الصين يجب أن تحاول بذل جهود شاقة في هذا المجال. وقد تكون قد بدأت ذلك بالفعل. رغم إن ترامب في تغريدة له، قال؛ إن كوريا الشمالية تتصرف بشكل سيّء جداً. إنهم يلعبون بالولايات المتحدة منذ سنوات. وإن الصين لم تقدم مساعدة كافية.

في تصريح له ريكس تيلرسون وزير خارجية الولايات المتحدة،  قال بإمكانية نشوب حرب مع كوريا الشمالية، واصفاً ذلك بخيارٍ محتمل. وشدد على إن سياسة الصبر التي تنتهجها الولايات المتحدة حيال بيونغ يانغ قد تغيرت. وأشار الى ضرورة وقف برامج  كوريا الشمالية الصاروخية، والنووية. وأضاف تيلرسون، بأن بلاده لا ترغب، بكل تأكيد، في أن تصل الأمور الى نزاع مسلح، لكن إذا ما زادت بيونغ يانغ من خطورة برنامجها للأسلحة الى حد يحمل على الإعتقاد بأن الأمر بات يتطلب تحركاً، فسيصبح هذا الخيار واقعا. وقد شدد، في الوقت ذاتها، على إن سياسة الصبر الإستراتيجي التي تنتهجها الولايات المتحدة إنتهت، وذلك  في إشارة منه، الى وصف سياسة الولايات المتحدة أزاء كوريا الشمالية في ظل حكم الرئيس السابق باراك أوباما.

في إجابة منه عن الحدث، أوضح نائب رئيس  معهد الدراسات السياسية في سيئول شوي كانغ؛ إن الهدف من تصريحات وزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيلرسون قد تكون للضغط على كل من كوريا الشمالية والصين. ولكن نظراً للأجواء السائدة في واشنطن حالياً، فلا يبدو الأمر مجرد كلام.  فيما أشار دانيال بينكستون المحاضر في جامعة تروي في سيئول، محذراً إنه وعلى الرغم من قدم معدات الكوريين الشماليين، وعدم قدرتهم على حرب طويلة الأمد، إلا أنهم سيقاتلون للدفاع عن بلدهم  في حال تعرضت الى هجوم.

من ناحيتها دعت الصين الولايات المتحدة الى التحلي بالهدوء. وقال وزير خارجية الصين وانغ يي، خلال المؤتمر الصحفي في بكين مع نظيره الفرنسي مارك أيرولت، إن لدى بكين شعوراً بأن نزاعاً يندلع في أي لحظة، وإذا ما وقعت الحرب، فلن يخرج أحداً منها منتصراً. وقد  جاءت إفتتاحية صحيفة غولبال تايمز الصينية، وبتحذير شديد، وبنبرة غير مألوفة، كوريا الشمالية من إجراء تجربة نووية سادسة. فيما وصف سفير كوريا الشمالية في موسكو، بأن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، على شفا الحرب. في ذات الوقت، أعلن الكرملين، إن موسكو قلقة جداً من تصاعد نبرة التوتر في شبه القارة الكورية، ودعت كل الأطراف الى ضبط النفس، وتجنب أي عمل يمكن أن يفسر على أنه إستفزاز. كما دعا نائب وزير الخارجية الروسي إيغور مورغولوف، الى كسر الحلقة المفرغة، التي تسود التعاطي مع بيونغ يانغ، مشيراً الى ردود فعل واشنطن القاسية تجاه تجارب كوريا الشمالية النووية، التي تزيد من حدة التوتر في شبه القارة الكورية. فيما كانت وكالة الأنباء اليابانية جيجي برس تقترح أن يتم النظر الى الوضع من جوانب عدة، لكسر الحلقة المفرغة في التوتر.

سياسة ثابتة

الأمريكيون لهم سياسة ثابتة حيال كوريا الشمالية.  صممت على إحباطها في أن تصبح قوة نووية، كالهند، والباكستان مثلاً. وحاولت الولايات المتحدة جذبها دبلوماسياً، بحيث يمكن أن تقلل من ميلها لمتابعة سياساتها الإرهابية، والإبتزازية، تجاه كل من كوريا الجنوبية، واليابان. ولكن لم يفلح  هذا الأمر. وتمشياً مع نصائح خبراء منع الإنتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، أدخلت الولايات المتحدة متغيرات جديدة في سياساتها الأمنية تجاه شبه القارة الكورية. حاولت الولايات المتحدة لأكثر من مرة أن تحتوي كوريا الشمالية بشكل مزدوج، بما لا يضر بعلاقتها مع كوريا الجنوبية، وان تضمن أن لا يتهدد أمنها، بوجود ذلك الاحتواء. وذلك بأسلوب أنتج نوعاً من الضمان الأمني السلبي. قد يكون، حسب ما أعتقدت، كبدايات إحتواء، ومواجهة، مشابهة لكل من ألمانيا، واليابان. لكن هنا الامر لم يستقم، ولم تستطع الولايات المتحدة من خلق أجواء من الثقة بين الكوريتين. أو في إيجاد سياسة توازن تضمن الاستقرار لشبه الجزيرة الكورية.ليس كل الذنب يقع على كوريا الشمالية. وإنما جزء كبير منه يقع على عاتق الغرب. وخاصة، الولايات المتحدة الأمريكية، وسياساتها العدوانية. في أماكن متعددة في العالم، ابتداءاً من فلسطين، الى فيتنام، الى مواقفها من دول أمريكا اللاتينية، الى كوريا الشمالية، الى أماكن أخرى. سياسة إتسمت بالعنف، وبالغطرسة، وبالحروب. وعدم الثقة.  التصريحات التي يدلي بها الرئيس الأمريكي ترامب، الآن، لا تبعث على الأمان، ولا الإطمئنان، بالنسبة لكوريا الشمالية. حتى تكون رسائل يمكن أن تسهم بالتقرب عبر الحوار الذي تطالب به كل من الصين وروسيا، وكذلك اليابان. غير إن التهديد بالقوة، ومن ثم إستخدامها لا يجدي، هو الأخر، نفعا. وإن الحرب إذا ماأندلعت، فلن تكون حرباً محدودة. وإن إصطفافاتها، هي الأخرى، قد لا تكون بالحسبان. المطلوب هو رؤية جديدة، وتنازلات من جميع الأطراف، تبعد شبح الحرب.