الكتابة في زمن الكوليرا

سلفاً اعتذرُ للكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، لأني استعرت شطرا من عنوان روايته (الحب في زمن الكوليرا) عنوانا لعمودي لهذا اليوم، لأن الكتابة في ظروف معقدة ومحتدمة الصراع فكريا وعقائديا وسياسيا وعلى المناصب والكراسي تجعل  الغشاوة على العيون فيبدو فيها الكثير من أصحاب القرار أنهم لا يرون إلا مصالحهم ومن يكتب خارج ذلك الإطار يشار له بأصبع الاتهام وما أكثر التهم في زمن الديمقراطية الذي نعيش أيامه الزاهية، فعندما يكون انحياز الكاتب للوطن والشعب فهو انحياز يغني عن أي انتماء فلا حزب أو كيان سياسي اكبر من الوطن والشعب فهما فوق الجميع ولا يعلوا عليهما إلا ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، هكذا تعلمنا وهكذا عشنا سنوات عمرنا ولا ينبغي للكاتب أن يضع في تفكيره حسابات الربح والخسارة الشخصية ما دام يجعل من المصلحة العامة منطلقا لخدمة المجتمع كله بدون تمييز والكاتب بكل تأكيد هو بشر ومن حقه أن يرضى أو يزعل  ولكن ليس من حقه المساس بالآخرين والإساءة لهم، لكننا اليوم وحين أصبحت الكتابة نزهة لدى البعض أو تصفية حسابات لهذه الجهة أو تلك مع الأسف نرى الكثير ممن اتخذ من الكتابة مهنة للارتزاق مستعد لرمي الآخرين بشتى النعوت والتهم ما دام ذلك يلبي احتياجاته النفعية والشخصية على حساب الشرف والأمانة والمهنية وإنها للأسف أصبحت وسيلة للتسقيط السياسي والاجتماعي لغياب الأخلاق لدى الكثير من دخلاء العمل الصحفي والإعلامي وأصبح الجو العام ملوثا بالعديد من الفيروسات المميتة والدخيلة على أعرافنا وأخلاقنا وتقاليدنا وبتنا نقرأ ونشاهد مقالات وخطب ما انزل الله بها من سلطان واعتقد جازما إن من يحترم ذاته وتاريخه ينأى بنفسه عن هكذا محيط موبوء تحكمه المصالح الشخصية والأنانية وبيع الذمم واراني لست مبالغا إذا ما وصفت ما نعيشه اليوم أشبه ما يكون بانتشار الطاعون وان الكاتب النزيه كمن يتعامل مع المصابين بالكوليرا فهو من جانب يسعى إلى شفائهم ومن جانب آخر يحاول أن لا تصيبه العدوى منهم. إنها ارهاصات الكتابة في زمن الكوليرا وكان الله في عون حملة الأقلام النظيفة والشريفة والتي لم تتلوث بأمراض المجتمع الجديد الذي ضاعت فيه الكثير من المقاييس والقيم