العرب وقد تغير العالم

تغير العرب متأخرين، غير أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى الجوهر الحي لمفهوم التغير. ذلك لأنهم ما زالوا يقيمون في عصر لا يؤهلهم لكي يكونوا إيجابيين في تفاعلهم مع الزمن.

لم يصدق العرب أن هناك نظاما عالميا جديدا صار جاهزا للتطبيق إلى أن سقطت سقوف عديدة عليهم، ومحت آثار ما كانوا قد تمسكوا به من بنية هشة للدولة القومية ومن مقومات هوية كانت الأمة محورها.

كان العالم قد شهد تغيرات هائلة في بنية نظامه التي وإن شكلت السياسة واجهتها، غير أن قواعدها قد اعتمدت مزيجا مدهشا بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو ثقافي بطريقة لا تقبل التفكيك.

في ذلك الوقت بالضبط بدت الهوة تتسع بين عالم صار يتجه إلى تجديد سياساته بعيدا عن الإملاءات العقائدية، وبين عالمنا العربي الذي قرر في لحظة صدمته أن ينغلق على تراثه العقائدي، بشقيه القديم والمعاصر.

في حقيقتهم فإن العرب وقد أدركوا أن الزمن لم يعد يجري لصالحهم تمترسوا وراء قناعات سياسية لم يعد تداولها عالميا ليدر إلا الشفقة. لقد بدا واضحا أن لحاقهم بالعالم لا يتم إلا عن طريق ثنائية الاستهلاك أو العوز.

أما ما جهزوه من منطلقات نظرية فكان أغلبه إنشاء تتبخر قيمته محليا قبل أن يجف حبره. واقعيا فإن تلك المنطلقات بلغت مناطق خوائها قبل أن يطلق العالم نظامه الجديد الذي اعتبره عرب كثيرون غزوا من غير أن يكونوا مستعدين لمبارزته انطلاقا من غرائزهم الخائفة.

الغريب أن أحدا من سياسيي العرب لم يتساءل “ما الذي يحدث في العالم؟” بالرغم من أن دوي تفكك الاتحاد السوفييتي كان قريبا منهم، وكانت تلك لحظة خلاص انتظرها العالم لا بسبب الحرب الباردة ودعايتها، بل لأن وطأة النظام الشمولي كانت ثقيلة على الكثيرين.

لو لم يختف الاتحاد السوفييتي لما اختفت أنظمة عديدة في المنطقة ولما أفلس النظام السياسي العربي معلنا فشله. كان السوفييت يبرمجون منبه ساعتهم بطريقة لا تمت بصلة إلى الزمن التجريبي العالمي. أليس مدهشا أن الروس لا يجدون مانعا اليوم في التعامل مع النظام الإيراني الذي يدير دولة دينية تنتمي إلى عصور سحيقة؟

ليس صحيحا ما كان يقال من أن النظام السياسي العربي كان مهددا بمؤامرة تحاك خيوطها خارج الحدود. الصحيح أن ذلك النظام كان مهددا بسقوطه من الداخل لأسباب كثيرة في مقدمتها أنه لم يعد قادرا على تأهيل نفسه وفق معايير عصرية، لذلك لم يكن صانعوه على استعداد لتقديم تنازلات إلا إذا شعروا أن تلك التنازلات ستقع في مصلحتهم من جهة إطالة زمن بقائهم الخاوي في السلطة.

لم يكن ربع القرن الأخير من القرن العشرين إلا مجالا لتنازلات قدمها العرب للعالم من أجل أن لا يتعرض نظامه السياسي لصدمة العولمة التي جرى تسويقها عربيا على أساس ما حملته من تحولات تقنية، من غير أن يتم الانتباه إلى أن تلك التقنيات كانت تنطوي على مفهوم مختلف للمعرفة التي تهدف إلى التغيير.

وهو ما ظهر جليا في تجارب الربيع العربي، التي بدا العالم العربي من خلالها كما لو أنه مختبر لإحراق النفايات المحلية واستبدالها بنفايات جديدة. هل كان مقدرا للعالم العربي أن يتغير بهذه الطريقة الرثة؟

لا بأس. علينا أن نعترف بأن العالم العربي كان ولا يزال عاجزا عن إنتاج نظام سياسي جديد. لا لشيء إلا لأن حياة سياسية سليمة ونزيهة لم تقم فيه. ما تعلمه العرب من السياسة لا يتخطى حدود فنون السلطة القائمة على القهر وتكميم الأفواه والتلقين.

تغير العرب متأخرين، غير أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى الجوهر الحي لمفهوم التغير. ذلك لأنهم ما زالوا يقيمون في عصر لا يؤهلهم لكي يكونوا إيجابيين في تفاعلهم مع الزمن.