عمل بلا فائض قيمة وعمال بلا قوة عمل


” ينتج الناس بواسطة العمل حاجياتهم الحيوية التي يجب أن تنمي المسار الحي للجسم البشري”1[1]

يحتفل العالم بعيد الشغل 1 ماي 2017 في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة وتفشي آفة البطالة وازدياد أشكال العوز والتفاوت والازدراء وتراجع مريع اقتصاديات الدول النامية وانهيار الامبراطوريات المالية التقليدية وسطوة الشركات العابرة للقارات عبر المضاربة والسمسرة والتهريب والاحتكار والاستغلال.

اذا شخصنا وضع معظم الشغيلة وعموم الكادحين في هذه الحقبة المعلومة بصورة وحشية نلاحظ ثلاثة أشياء مربكة للضمير ومحيرة للعقل ودافعة إلى التعجب:

–         كثرة المعطين عن العمل والعاطلين غير الملتحقين من حيث المبدأ وغير المحظوظين في ظل هيمنة قانون الندرة وعدم تساوي الفرص في اقتصاد السوق وتزايد جحافل المسرحين بسبب غلق مصادر رزقهم وارتفاع عدد المطرودين بوجود ذريعة أو بصورة تعسفية نتيجة تعلات واهية.

–         وقوع العمل في الاغتراب عن ذاته وعن وظيفته وعن رسالته الإنسانية التحررية وفقدانه للقيمة الاجتماعية التي تشكل جوهره الاقتصادي من جهة التبادل ومن جهة الاستعمال بحكم ما يطرده عن المرء من آفات وخاصة القلق والرذيلة والحاجة على حد عبارة المستنير الفرنسي فولتير.

–         تشذر الطبقة العاملة إلى شظايا وانقسام الشريحة الكادحة إلى عناصر مزدحمة وكتل متنافسة دون وحدة ايديولوجية متماسكة ودون خيط قيمي رابط وغياب التنظيم العقلاني والبرنامج النضالي الموحد وفقدان قوة العمل التي تمثل علامة على نضج وعيها بذاته وسلاحها الفتاك ضد مستغليها.

لكن كيف يحافظ العمال على وجودهم في ظل الشر السياسي الذي خلفته العولمة المتوحشة من الخارج والعزم على الخروج من الشمولية في حقبة انتقالية صعبة بين عالم قديم يقاوم في سبيل البقاء وعالم جديد لم يتشكل بعد؟ أليس من المطلوب أن تخرج الشغيلة من الواجهة الخلفية وتحجز بنفسها موعدا مع التاريخ؟

من جهة الواقع”أن تكون فقيرا، أن تكون مريضا، يعني الخضوع إلى الحاجيات الفيزيائية، فوق ذلك، أن تكون عبدا يعني الخضوع إلى عنف الناس. هذا البؤس المزدوج يمثل البؤس المضاعف من العبودية”2.[2]

من جهة الحق يريد الكائن البشري من حصوله على عمل تحقيق الاعتدال الجسماني والتوازن النفسي والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي والعدالة بين الأمم والمساواة بين الأجناس والأعراق والجهات.

من المفروض أن يخرج العمال من وضعهم المتشرذم ومن حالة العزلة وواقع الانقسام ومن الحكمة أن يبتعدوا عن التمسك المطلبية القطاعية والاهتمام بتفاصيل الأمور والجزئيات من الحقوق حتى لا يقعوا في مصالح أنانية ويهملوا الكليات وجواهر الأمور وثوابت الحركة العمالية ومقاصد النضال الاجتماعي.

من الملائم بالنسبة إلى الوطن الذي خربته النزاعات ومزقته الفتن أن يتحمل الكادحون مسؤولية الدفاع عن مقدرات الشعب من كل اختراق وأن يصونوا ثرواته من كل تبديد وأن يحولوا وجودهم إلى حياة نشطة وينذروا أنفسهم مرة أخرى إلى الصالح العام وأن يعتصموا بالفعل غير الربحي والكفاح الميداني من أجل إعادة بناء كل شيء وقع تفكيكه وإعادة إعمار كل مسطح يمكن أن تعمر عليه الحياة ويجود به الوجود.

إن القطع مع الأنانية والعمل الربحي والمصلحة الفئوية هو الشرط الضروري لكي يتم تحويل العمل إلى قوة وتحقيق فائض القيمة من جهة المصلحة الوطنية واستثمار العمال في إذكاء الوعي الثوري من أجل تغيير حال المجتمع ومواجهة النزعة الاستقطابية للعولمة والظلم والتمييز واسترداد الناس للكرامة والسلم.

لا يهدف العمال إلى التكيف مع النظام الاقتصادي العالمي الذي يحمل في ذاته بذور هشاشتهم وفقرهم ولا يسعون بكل الطرق إلى تقويض معالم الحضارة وقيم التقدم وإنما يحاولون قدر الإمكان تحسين ظروف عيشهم ويساهمون في إيجاد بدائل سياسية وخيارات مجتمعية وتصورات مواطنية تضمن لهم حياة جيدة.

لكن متى يتحول العمل إلى قوة إنتاجية للأبعاد الإنسانية للكائن؟ وأي نظام سياسي عادل يحول العمل من مرتبة الشغل الذي يلاقي أجرا إلى منزلة الفعل الذي يغير العالم ويصلح الأرض ويعيد إنسانية الكائن؟

الإحالات والهوامش:

[1] Arendt (Hannah), condition de l’homme moderne, traduit de l’anglais par Georges Fradier, Préface de Paul Ricœur, édition Calmann-Lévy, 1961-1983, p41.

[2] Arendt (Hannah), condition de l’homme moderne, op.cit, p69

المصدر:

Arendt (Hannah), condition de l’homme moderne, traduit de l’anglais par Georges Fradier, Préface de Paul Ricoeur, edition Calmann-Lévy, 1961-1983, p41.

كاتب فلسفي

[1] Arendt (Hannah), condition de l’homme moderne, traduit de l’anglais par Georges Fradier, Préface de Paul Ricoeur, edition Calmann-Lévy, 1961-1983, p41.

[2] Arendt (Hannah), condition de l’homme moderne, op.cit, p69.