يتميز العراقيون في لهجتهم العامية بقدرة فائقة على اختراع المصطلحات الكنائية، فالكناية عندنا منتشرة في اللهجة العامية العراقية، ومنها مصطلح (البمبرة)، وهو مأخوذ من البمبر، وهو فاكهة استوائية لونها اصفر وتغمق كلما نضجت, وفي داخلها سائل لزج كأنه صمغ شفاف. فمن يأكل البمبر يلتصق ذلك السائل بيده أو ثوبه ....
والبمبرة مصطلح يعني عند العراقيين الحرص على الالتصاق بالشيء أو الإلحاف في طلبه، والأنظمة الحاكمة في دولنا العربية تستحق تسمية (الأنظمة البمبرية) وبامتياز بدلا من مصطلح الأنظمة الوراثية؛ لأنها فعلا التصقت بكرسي الحكم وتشبثت به منذ أن تسلطت على تلك الشعوب والبلدان في غفلة من الزمن، فآل سعود يحكمون بلاد نجد والحجاز منذ مائة سنة تقريبا، وما يهلك طاعن في السن حتى يقوم مقامه آخر، هذا فضلا عن الدولة السعودية الأولى والثانية اللتان زالتا من الوجود على يد القوات المصرية بأمر من العثمانيين.
وآل خليفة يحكمون البحرين منذ مائتي سنة تقريبا، ورئيس الوزراء وحده صار له في صدر الوزارة أربعين سنة، وآل الصباح يحكمون الكويت منذ مائتين وخمسين سنة تقريبا، وهكذا آل ثاني حكام قطر، وملك الأردن حكم سبعا وأربعين سنة ثم سلمها إلى ولده عبد الله، وقتل بعض الحكام العرب وهو امبمبر بالكرسي كالقذافي، ولولا أن تداركتنا رحمة الله فسلط الظالم على الظالم، لبقي البمبر التكريتي يحكم العراق إلى يوم القيامة.
وهناك في العالم أنظمة بمبرية فاليابان تحكمه أسرة الإمبراطور الحالي منذ 2500 سنة، وهكذا الحال في بريطانيا، لكن البمبر الأجنبي يختلف عن البمبر العربي، فإمبراطور اليابان لا يكاد الناس يعرفون اسمه، وهكذا ملكة بريطانيا، وملك أسبانيا وغيرها من الدول، فهو منصب رمزي تشريفي لا أكثر.
أما البمبر العربي فمن النوع الممتاز الشديد اللزوجة والالتصاق، بحيث يشبه الى درجة كبيرة (صمغ الأميري) الذي يعرفه العراقيون، وهو اسم على مسمى (فصمغ الأمير شديد الالتصاق مثل الحاكم والأمير).
والمشكلة أن الأنظمة البمبرية العربية لا تكتفي بالمنصب التشريفي في حكم البلاد كما هو الشأن في الدول الأجنبية، وإنما يلتصق بالكراسي الرسمية كل غصون البمبرة، فزعطوطهم وزير خارجية، وثورهم رئيس وزراء، وابن الملك وزير، وأخوه وزير، وابن أخيه حاكم مقاطعة، وابن عمه وزير، وخاله مدير شرطة وووووو الى ما شاء الله فكل المناصب الرسمية تقع عليها من الشجرة المباركة الحاكمة بمبرة وهي صغيرة لتبقى ملتصقة في الكرسي حتى الممات.
وسبب هذه البمبرة بسيط لأن الأسر العربية الحاكمة تعتقد أن أبناء الأسرة هم وحدهم القادرون على حكم البلاد وإدارته، أما باقي الشعب فهم حمير في نظر هذه الأسر الحاكمة، وهم محقون في نظرتهم هذه، وإلا فإن بلادا فيها الكثير من المثقفين والحاصلين على أعلى الشهادات العلمية، كيف يرضون أن يكونوا رعية لملك لا يجيد القراءة والكتابة، أو يكونوا خانعين لنظام لم تجد الأسرة الحاكمة فيه إلا زعطوطا ليكون وزير خارجية، والله يرحم الموسيقار خالد الشيخ حين قال:
أبكي على البمبرة وابكي على التينه وابكي على اللي ذبح شعبي بسكينه.