ترشيح مسعود البارزاني لولاية ثالثة ما لها وما عليها

 

يدور الحديث، ساخناً، في اروقة السياسة في كوردستان حول تمديد ولاية الرئيس مسعود البارزاني او السماح للترشيح لولاية ثالثة التي تبلغ مدتها اربع سنوات، الجدير بالملاحظة ان مسودة الدستور الكوردستاني، والتي لم يجري إقرارها لحد الآن تنص المادة 61 على أن: «ينتخب رئيس إقليم كردستان عن طريق الاقتراع العام السري المباشر من قبل مواطني إقليم كردستان بالطريقة التي يحددها القانون».

وهي الطريقة المتبعة في الولايات المتحدة لانتخاب الرئيس الأمريكي حيث يقوم المواطن بانتخاب رئيسه مباشرة، كما نصت المادة 64 من مسودة الدستور ان «مدة ولاية رئيس إقليم كردستان أربع سنوات تبدأ من تاريخ أدائه اليمين الدستورية، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا الدستور»، بينما ينص قانون رئاسة الإقليم بالمادة الثالثة على أن «تكون ولاية رئيس الإقليم أربع سنوات ويجوز إعادة انتخابه لولايتين».

كل شئ واضح امام الشعب الكوردي وأمام الحكومة في اقليم كوردستان، وأمام المعارضة الكوردية التي تتكون من حركة التغيير والأتحاد الأسلامي والجماعة الإسلامية, وحينما تطرح المعارضة اعتراضها على التمديد او الترشيح لولاية ثالثة فهي محقة وتستند على مواد في مسودة الدستور الكوردستاني.

الآن نأتي الى الجانب الآخر من المعادلة فحسب اعتقادي المتواضع ان مسعود البارزاني يقوم ببناء دولة، اي لم تكن هنالك دولة ورشح البارزاني نفسه لرئاستها وانتهت ولايته وينبغي عليه فسح المجال لغيره لاستلام المنصب بعد اجراء الأنتخابات، المسألة هنا فيها بعض الأستثناءات، لقد كانت بدايات متواضعة في إقامة كيان كوردي على ارض كوردستان التي كانت بدايتها السنة الأولى من العقد الأخير من القرن الماضي، حيث كانت الطموحات تقف عند حدود الحكم الذاتي او الأدارة الذاتية ضمن دولة العراق (قبل إقرار الدولة العراقية الأتحادية بعد 2003)، اليوم الساحة تتسع وسقف الطموحات يرتفع الى تأسيس الدولة الكوردية، وقد باشر الرئيس مسعود البارزاني مع شعبه المبدع في العمل وهو بصدد إكمال بنائه، إن البنّاء الذي يباشر في بناء البيت يعمل على انجازه لكي يسلمه الى صاحبه كاملاً.

من المؤكد أنها المرة الأولى في تاريخ كوردستان ان يحكمها رئيس فائز في انتخابات ديمقراطية وفق الأقتراع السري، كان القائد او الزعيم في كوردستان سابقاً يتبوأ مركزه بكفائته ومقدرته القتالية وشجاعته وحكمة تدبيره، وقد برز في العصر الحديث الكثير من القادة الأكراد ومنهم من لهم تاريخ قريب مثل القائد الكوردي المعروف محمود الحفيد البرزنجي الذي استطاع بالتفاف الشعب حولة وبإمكانيات متواضعة ان يدوخ الحكومات العراقية والقوات البريطانية العاملة في العراق، وذلك بشجاعته وبحكمته ومساندة الشعب له، إلا ان تفوق الآلة الحربية البريطانية والطيران الحربي بشكل خاص، قلبت موازين القوى إذ ان المعادلة العسكرية لم تكن متكافئة فكان رجحان كفة الميزان لصالح القوات المعادية.

كما كان هنالك قادة أكراد آخرين برزوا في مطاوي القرن العشرين ولعله من الأنصاف ان نشير الى القائد الكوردي المعاصر ملا مصطفى البارزاني الذي افلح في وضع الحركة الكوردية بمصاف ومستوى الثورات التحررية للشعوب المقهورة.

هكذا خرج مسعود البارزاني من رحم الثورة الكوردية، وعاش ايامها واستمر في اوقات الأنتصارات والأفراح وأوقات والأنكسارات والنكسات فأصبح رجلاً مجرباً عركته المعارك وتجارب الحياة وتقلباتها، واستمر على مسرح الأحداث وهو يواكب العملية السياسية العراقية وفي المنطقة، ومن مصلحة الشعب الكوردي ان يكمل هذا الرجل ما بدأه.

لا ريب ان المعارضة على حق وتستند على القانون، ولكن قبل ذلك فإن المعارضة والحكومة والرئاسة في كوردستان يهمهم جميعاً مصلحة الشعب الكوردي وتحقيق الأهداف الأستراتيجية لهذا الشعب، فإن مواد الدستور لا يمكن ان تقف حجر عثرة في ما يصب في مصلحة الشعب.

يقول الجنرال شارل ديغول: لن اضحي بفرنسا من اجل نص، اي بنص مكتوب في الدستور الفرنسي، فالدستور وضع ليكون خدمة للوطن والشعب وليس نقيض ذلك، فإن تناقضت بعض مواده في مرحلة معينة  فمن الممكن تعديله، فمسودة الدستور الكوردستاني لا زالت مسودة غير مصادق عليها من قبل الشعب، وهنالك مواد تخالف مصلحة بعض المكونات في اقليم كوردستان ومنها شعبنا الكلداني، الذي مسحت اسم قوميته الكلدانية من مسودة الدستور الكوردستاني ووضع بدلها تسمية حزبية سياسية هجينة (كلداني سرياني آشوري) وهي تسمية مشوهة لا تدل على شعب يعتز ويفتخر بتاريخه وله شخصيته وكرامته، وعلى القيادة الكوردية الموقرة ان تزيل هذا الغبن بحق الشعب الكلداني وعليها ان تذكر الأسم الكلداني كما هو منصوص عليه في دستور العراق الأتحادي وليس خلافه، فكوردستان لا يجوز ان تقبل بتهميش حقوق شعب اصيل وهو الشعب الكلداني.

أقول: إن الرئيس مسعود البارزاني، إنسان معتدل وحكيم وله تجربة فذة في الساحة السياسية العراقية، كما انه شخصية عراقية لها وزنها في المعادلة السياسية العراقية وقد كان الى جانب الرئيس جلال طالباني يشكلان محوراً مهماً وصمام امان للسياسة العراقية ومنع الأوضاع من التدهور نحو التصادم والحرب الأهلية بين مختلف الكتل والأحزاب والميلشيات، واليوم بتغيب الرئيس جلال الطالباني، بسبب مرضه، عن الساحة العراقية والكوردستانية، ولهذا ستكون الحاجة الملحة الى شخصية مرمووقة بقامة وحكمة مسعود البارزاني، إنه الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وإن غيابه عن الساحة الكوردستانية والعراقية سوف يترك فراغاً كبيراً، فالعراق لا زال يحبو ببطء شديد نحو الأستقرار السياسي والأمني، وكوردستان بحاجة ماسة الى مسعود البارزاني في هذه المرحلة.

قرأت في جريدة الشرق الأوسط قول الاستاذ يوسف محمد مدير غرفة البحوث السياسية بحركة التغيير الكردية التي يقودها رئيس جبهة المعارضة نوشيروان مصطفى  بأن: «لا الحلول الترقيعية تنفع، ولا حتى الحيل الشرعية، لأن القانون صريح في عدم إعطاء الفرصة لرئيس الإقليم بالترشح لدورة ثالثة. فقانون رئاسة الإقليم حدد مدة ولاية رئيس الإقليم بدورتين فقط، وحتى مشروع دستور الإقليم المقترح نص بدوره على ولايتين بغير قبول للتجديد، ولذلك مهما حاول الخبراء إيجاد منافذ أو التحايل على القانون فلن ينفع ذلك بترشيح بارزاني لولاية ثالثة لأنه يتعارض تماما وصراحة مع النصوص القانونية.

اقول: لا اعتقد بضرورة ايجاد طرق للتحايل على القانون ولا الحلول الترقيعية بل تكون هنالك الصراحة والمكاشفة ووضع مصلحة الشعب الكوردي ومصلحة الشعب العراقي عموماً في المقام الأول وينبغي وضع هذه المصلحة في المقدمة قبل البحث عن اي حلول ترقيعية كأن يكون هنالك تمديد لسنة او سنتين، اجل هذه حلول ترقيعية لا تجدي نفعاً، وليس مطلوباً ان يكون هنالك تحايلاً على النصوص، بل يكون هنالك قرار وطني شجاع من الأحزاب الحاكمة ومن احزاب المعارضة، بأن تجري انتخابات الرئاسة يوم 8 سبتمبر (ايلول) القادم، وإن كان الشعب الكوردي والمكونات الأخرى في اقليم كوردستان إن كانت تريد تجديد انتخاب الرئيس مسعود البارزاني لولاية ثالثة سوف تقوم بذلك، وإلا سوف تنتخب منافسه، والشعب الكوردستاني هو الذي يقرر ما هو في مصلحة كوردستان فأعتقد يجب تسليم الأمور بيد الناخب الكوردستاني وهو سيحسم الأمور.