روشتة خبيرة للإصلاح الاقتصادى والحكومة والصندوق |
لست من العارفين بتفاصيل الأزمات الاقتصادية، لكن أعلم الكثير عن الخطوط العريضة عنها، والجميع من مهمومين وخبراء ومهتمين وأفراد، لديهم دراية بالمشكلات، ومعظم هؤلاء لا يعرفون سببا مقنعا لعدم حلها حتى الآن، ونكاد ندور فى حلقة قاتمة منذ عشرات السنين، وازدادت الأزمة تعقيدا مع إجراءات الإصلاح الجديدة، عقب الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على قرض الـ 12 مليار دولار. الخبيرة الاقتصادية الكبيرة المشغولة بقضايا وطنها، مهما تباعدت بها المسافات، والمهمومة بالبحث عن آلية ناجحة لحل الأزمة الراهنة، قدمت شرحا وافيا تضمن روشتة بسيطة لإصلاح عدد كبير من التشوهات الطاغية لجملة من المشكلات الأساسية، الأخذ بها يمكن أن ينهى جزءا من المعاناة التى تواجهها الحكومة والغالبية العظمى من المواطنين. بالنسبة لارتفاع الأسعار فى بلد نام يتبع اقتصاد السوق، قالت: يجب السيطرة على الجنون الذى أصاب السلع الأساسية، عن طريق تحديد سعر استرشادى عادل يوفر هامشا جيدا للربح، مع تعديل قانون المنافسة والاحتكار بحيث يعتبر محتكرا من لا يطبق السعر المعلن من الحكومة، ويعاقب بالغرامة وخلافه، كما ينص قانون المنافسة والاحتكار. ويمكن ترك مساحة لحركة السعر بما لا تتجاوز 5 بالمائة من السعر الاسترشادى وبعدها يعتبر المخالف محتكرا حسب القانون الجديد. فمواجهة جشع التجار عملية لها أولوية حتى لا تزداد الأسعار انفلاتا، كما أن التوازن السعرى عملية ضرورية للاستقرار الاقتصادى والسياسي، فتوفير لقمة العيش للمواطنين تأتى قبل السكن، فالأولى تمس جوهر الحياة وعدم ضبطها يمكن أن يؤدى إلى كوارث مجتمعية. أما عن دعم المحروقات، الذى احتارت معه حكومات كثيرة مرت على مصر، وخشيت من ردود الأفعال السلبية، تؤيد الدكتورة كريمة رفع الدعم عن البنزين نهائيا، ووجهة نظرها مبنية على أساس أن كل من يملك سيارة، مهما تكن صغيرة، يدخل فى فئة القادرين نسبيا، لأن هناك نصف عدد السكان تقريبا يدخلون فى فئة الفقراء ومنخفضى الدخل، بمعنى أنهم لا يجدون ما يسدون به حاجاتهم اليومية. يضاف إلى ذلك ضرورة زيادة الرسوم المفروضة على السيارات الفارهة. لكن قبل رفع سعر البنزين يعطى أصحاب الميكروباص وعربات نقل الخضر والفاكهة نحو ثلاثة أشهر للتحول من البنزين والسولار إلى الغاز مع إعطائهم قرضا ميسرا من الحكومة لتحقيق ذلك. بعد ذلك يلغى الدعم عن البنزين والسولار و يتم تحديد السعر الجديد لهما بحيث يزيد على التكلفة بمقدار صغير، وتستخدم الحكومة الفرق لدعم الغاز. وهذا يسمى الدعم التبادلى الذى يؤخذ من الأغنياء ويعطى للفقراء دون عبء على ميزانية الدولة. وهذا ما يجب أن يطبق فى الصحة والتعليم وخلافه لتخفيض العبء على الحكومة مع إعطاء منخفضى الدخل حقهم فى الخدمات الصحية والتعليمية بأسعار تناسب دخولهم. كذلك لا بد من إلزام سائقى الميكروباص وعربات نقل البضائع بعدم رفع تعريفة النقل. ومن يفعل ذلك تسحب الرخصة منه ويدفع غرامة. وتسحب الرخصة نهائيا عند تكرار المخالفة. فهذا الإجراء يضمن أن منخفضى الدخل لن يتحملوا عبء إلغاء الدعم للبنزين والسولار كما يضمن عدم رفع تعريفة نقل الخضر والفاكهة، وبالتالى يحول دون رفع أسعارها فى الأسواق. وفاجأتنى الخبيرة الاقتصادية أن صندوق النقد الدولى غير مسئول عن كثير من الاتهامات التى توجه له بشأن التآمر أو سعيه إلى إغراق مصر فى دوامة المشكلات، فالعملية اقتصادية بحتة يقوم بها خبراء ومتخصصون، فقط علينا أن نقنع هؤلاء بأن طبيعة ظروفنا تفرض التمهل لحين ترتيب الأمور بصورة علمية، لكى لا تنفجر الأوضاع. وربما يكون التفاهم مع الصندوق وسيلة جيدة للالتزام بخطط إصلاح حكيمة وملزمة، لأن هناك محاسبة تجرى من وقت لآخر، يؤدى الإخلال بها إلى تعطيل البرنامج ووقف الدفعات التالية للقروض، وهو ما يؤثر على كثير من التوجهات الاقتصادية السليمة ويضر بسمعة مصر فى مجال الاستثمار. وقالت، إن المؤشرات الحالية غير مطمئنة حتى الآن فى مجال الاستثمار، وتحتاج إلى مزيد من الإجراءات لتشجيع المستثمرين، من داخل مصر وخارجها، فالعوائد والمنافع والمكاسب الاقتصادية هى الحافز الأول لأى مستثمر للإقبال على هذه الدولة أو تلك، ولابد من إزالة العقبات التى تقف فى طريقه، وتحرير سعر الصرف أو التعويم لن يكون كافيا لجذب مستثمرين جادين لمصر، فالاستثمار يتقدم عندما تكون هناك فرص حقيقية للربح. أما بالنسبة لتعويم الجنيه، فلقد اقترحت الأخذ بما يسمى بـ «التعويم المدار» وربط الجنيه المصرى بسلة عملات مجموعة الدول التى يكثر التعامل معها، كمدخل لتقليل الخسائر. وهذه العملية يمكن أن تخفف من التداعيات السلبية لعملية التعويم فى صورته التقليدية. المتعارف عليه أن منظومة الإصلاح مجموعة متكاملة يصعب التركيز على جانب منها وترك جوانب أخرى، ومن الضرورى الاهتمام بالصناعة والزراعة، للحد من البطالة وتحقيق قدر جيد من الاكتفاء الذاتى وتقليص نسبة السلع المستوردة، التى تقضم جزءا كبيرا من العملة الصعبة، وتؤدى تلقائيا إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وبالتالى زيادة نسبة التضخم الذى يلتهم كل زيادة فى مرتبات الموظفين، وحل هذه المعادلة يبدأ بالتخطيط والتنفيذ السليم. ورفضت الدكتورة كريمة فكرة تغيير العملة المصرية، واعتبرتها إجراء فى غير محله الآن، وتحفظت على ما تم اتخاذه من سياسات اقتصادية تتعلق بزيادة نسبة الفائدة على السندات الدولارية، لأن مكاسبها العاجلة أشد قسوة من الخسائر المستقبلية المتوقعة، كما أن الإسراف فى رفع سعر الفائدة عموما سوف يؤدى تلقائيا لزيادة الفائدة على الإقراض أيضا، وبالتالى ارتفاع التكلفة النهائية للمشروع لأرقام مضاعفة، وتتسبب فى مشكلات لا تمكن المستثمر من الوفاء بسداد قرضه، وتعثره يؤدى إلى وقف المشروع برمته. ومن ينظر للنتيجة النهائية لزيادة الفائدة، يجد أنها من المسكنات ذات الأضرار الخطيرة اقتصاديا، فقد تكون نجحت فى تحفيز قطاع من المواطنين ووضع مدخراتهم فى البنوك، لكن فى المقابل لن تصطحب هذه الخطة ارتفاعا موازيا للمقترضين، ولن تنجح فى جذب مستثمرين بطريقة كافية، وقد تجد بعض البنوك نفسها أمام مشكلة للوفاء بسداد الفوائد لمستحقيها، إذا استمر المستثمرون على حالهم من الانكماش. وتعتقد أن التفاخر بارتفاع حجم الاحتياطى فى البنك المركزى غير مبرر، فإذا تم حساب نسبة الاحتياطى أمام الديون الخارجية والمحلية، ستصبح ضئيلة وقيمتها عديمة الفعالية، لذلك فالرهان يجب أن يكون على التوسع فى الصناعة وإعادة فتح المنشآت المغلقة وليس التخلص منها، كما أن الزراعة من المداخل المهمة التى تحد من الاستيراد عموما، وتفتح المجال للتصدير، وهى عملية تحتاج إلى جهد ودأب كبيرين، وتتطلب أن توضع فى قمة أولويات الحكومة. فى هذا المجال، يجب أن تتجنب الحكومة تكرار الأخطاء التى وقع فيها مشروع شرق العوينات سابقا من تعطيل أسلوب الرى بالتنقيط بسبب انسداد فتحات الرى بمفعول البيئة الصحراوية والذى أدى إلى هجر المزارعين للأراضى فصارت بورا، فمن المهم فى حالة المشروعات الجديدة تدريب المزارعين على أسس صيانة فتحات الرى بأسلوب علمى تقدمه لهم وزارة الري، ويجب أيضا التأكد من كفاية كمية المياه الجوفية المتاحة قبل الالتزام باستثمارات كبيرة فى هذا المجال. الروشتة التى وضعت خطوطها العريضة الدكتورة كريمة، تستوجب أن يكون هناك خبراء اقتصاد بالمعنى الحقيقى للكلمة، على مستوى من العلم و الخبرة الاقتصادية يتم اختيارهم بدقة وليس بالمجاملات الشخصية، همهم الأول الخروج من هذا المأزق، والابتعاد عن الحسابات الضيقة التى درجت على الدوام ربط التقدم فى المصلحة العامة بما يتم إنجازه للفرد، وأفضت هذه النوعية من التوجهات إلى خسائر كبيرة، وعطلت التطور الذى تستحقه مصر. |