ببغاوات النقد

 

 

لست ناقداً، ولا أحشر نفسي في زمرة النقاد التي تكاثرت في هذا الزمان كتكاثر الأرانب والفطر ونبات الصبّار وأعشاب الحقل الهجينة، ولكني أقرأ ما تتيسر لي قراءته في هذه الصحيفة أو تلك، وفي كتاب من الكتب التي قلَّ جيدها وكثُر رديئها، أو في مجلة من هذه المجلات التي كثرت وصارت باباً للمغانم وإكتساب الهويات الأدبية والصحفية، إذ أصبح الصنايعي صحفياً، والتاجر ناقداً ، والبرلماني أديباً وهلم جرا إلى ما نعرفه وما لانعرفه.

 

الذي يستوقفني في هذه اللجة غير المتجانسة المحسوبة على الوسط الثقافي والأدبي أن أغلب ما كتبته وذكرتهم يُطلق عليهم لقب الأستاذ بل والدكتور وما إلى ذلك من القاب الفخفخة والتمظهر الكاذب الذي تفضحه ضحالة محتوى ماينشرون من مقالات يحشرون فيها مصطلحات نقدية وأسماء نقاد أجانب لم يقرأوا لهم سوى أسمائهم، كأنهم يستغفلون القراء كما استغلوهم في زمن سابق كثر فيه ورود أسماء الحلاج والنفري وأبن عربي.

 

شعراء من كلا الجنسين مازالوا في أول السلم يصرحون بما لم يقله السياب ولا الجواهري ولا فائز الحداد، وآخرون يتمسحون بأدونيس وأليوت وأنسي الحاج وغيرهم.

 

ثم جاء من يملأ الساحة بضجيج البنيوية والتفكيك واللسانية ورولان بارت وسوسير وغيرهم.

 

هرج ومرج في صحفنا ومجلاتنا..!!.

 

 أما ماينشره البعض في الصحافة الألكترونية فهو أمر يثير الغثيان، فكل من كتب سطراً أو كل من كتبت كلاماً صار الشاعر المبدع والكاتب الكبير، والتي تتعمد الإيماءات الساحرة والحركات الإيحائية صارت الكاتبة الموهوبة، وعلى القراء الأنحناء أمام هذه المواهب الجديدة التي سيفخر بها هذا الزمان والأزمنة القادمة وهكذا اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين.

 

 ولعلي لا أنفرد بهذا الرأي لأني أجد علامات إستفهام كثيرة عند من يعي حجم الخراب الثقافي والأدبي الذي يمر به البلد والذي هو ردبف للخراب السياسي والاقتصادي والأجتماعي الذي نعيشه، فليس من ظاهرة تبدو منفصلة عن ظواهر أخرى تتعاضد كلها في رسم صورة في المجتمع.

 

 فهل آن الأوان لتشخيص الخلل أم ندع الأمور تجري قي مجرى منحرف يعمق الجراح ويزيدها إيلاماً، ذلك هو السؤال..؟!