إثنين بـ 1000 وآني الممنون

 

تعرضت لموقف محرج امام الاستاذة بسبب تأخري عن المحاضرة ، و الذي لم يكن نتيجة اللامبالاة او عدم تحملي المسؤولية في تقدير الوقت المناسب للوصول الى الجامعة ، لم يكن شيئ من ذلك قط ، بل كان نتيجة زحام شديد سببه رتل السيارات الضالة المظللة ، لاحد “المسؤولين المتعافين” جدا!

الا ان ذلك الاضطراب و تلك المعمعة لم يكونا حدثين يدعيان لغضبي او غضب السائق او بقية الراكبين ، اذ اننا واياكم لكثرة ما عهدنا ممارسات كهذه ، صار الصمت و التسليم بامرها للواحد الاحد هو السائد ..

ولأن الانتظار كان اطول مما يجب ، تجاوزنا هذه المرة مراحل الصمت و القبول مما ادى لنوبات متباينة من الحنق ..و كحل لتصريف ذلك الغضب بطريقة لا تؤدي الى السجن او الاهانة ، توجه سائقو المركبات في ظاهرة غريبة لتبادل الهورنات و الشتائم بينهم .. ليتحرك السير بعدها بعد ان شق المسؤول طريقه حتى كانت النتيجة اني وصلت بدوري متأخرا و الحمد لله ..

و في طريق عودتي المعتاد الذي دائما ما اتعرض الى المواقف اعجبها .. كان الموقف هذه المرة اغرب واكثر ايلاما و تأثيرا : تجلى في ذلك الرجل الاربعيني الهزيل الذي طالما تموضع قرب السيطرة ليبيع بضاعته من الماء و الكلينكس بنشاط مستحيل.. فتجده تارة يركض يمين الشارع ليبيع قطعة او قطعين لسياق المركبات الثقيلة بعد ان يثقلهم بكلام مجامل ولطيف يصعب رده ، وتجده حينا اخر يعود بلمح البصر للسايد الايسر ويصيح بعلو صوته ” اثنين بالف .. ممنون اغاتي .. كلينس بخمسمية .. تفضلوا عيني ..” وهكذا ، دون كلل او ملل وسط الحرارة الشنيعة و تحت ظل الشمس الذي لايفرق بين فقير و غني بقسوته ..

وكعادتي المزعجة في ربط الاحداث ببعضها سألت متبطرا ، وانا الجالس متنعما بتبريد كلفني اجرة اضافية : اي الناس اعظمهم قدرا و اكثرهم استحقاقا للنعيم ؟ اهذا المناضل البطل الذي يتفانى في بيع بضاعة متواضعة طلبا لكسب لقمة عيش كريمة و نزيهة ، ام ذاك اللعين الذي يحرس كرشه المال الحرام و الشر الخطير ؟

ايهما اكثر استحقاقا للاحترام و التبجيل و التعظيم؟ وايهما اولى بالشقاء و التغريم؟

اهذا الذي يستغل الزحام لينحت قوته ، ام مسبب الازدحام بظلمه وجبروته؟

وهنا تجاوزنا السيطرة .. وظل صاحبنا يصيح دون كلل .. ” قطعتين بـ1000 واني الممنون عيني.