النص وعلاقته بالزمن من الحقائق الثابتة أن النص أي نص كان محكوم بثقافته الزمنية الراهنية إذا أخذناه بمفهوم البعد التصويري الذي يتناوله، فليس كل نص أو كلمة يمكنها أن تنأى بذاتها عن تطور المفهوم أفقيا وعموديا خارج الثقافة العامة للمجتمع، والتي تعبر عن إنعكاي للنمط السائد في شكلية الفهم قياسا بالعقلية التي نشأها فيها، مثلا كلمة السيارة التي وردت في القرآن الكريم لتعبر عن مفهوم حركي محدد للموضوع التي ترد فيه داخل النص، {قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}يوسف10، تطور اليوم ليمثل ألة أو واسطة نقل ذات ماهية مختلفة عما ورد في النص لكنه أيضا أبقت على المدلول المعنوي لها الوارد فيه وهي الحالة الحركية الموصوفة في الواسطة. هذا المدخل يقودنا لتأكيد حقيقة أن النص الديني بمعزل عن أيديلوجيته لم يكن سوى صدى لثقافة المجتمع وواقعيته حتى وإن كان إلهيا منزل، فعند المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد يتجلى هذا المعنى ويصرح به (وأن "ألوهية مصدر النص لا تنفي واقعية محتواه ولا تنفي من ثم انتماءه إلى ثقافة البشر، بالانطلاق من المدخل اللغوي) ، فاللغة هي هوية المجتمع الثقافية والواقعية وأداة التعبير عنها معرفيا وتعبيريا، ولا بد لهذه الثقافة أن ترتبط بالزمن من جهة والمكان من جهة أخرى حتى لا تشكل عامل أغتراب عنه وفيه. هذا الجانب يقودنا إلى أهمية مراعات الزمن كعامل مهم في طريقة تعاملنا مع النص حسب راهنيته وما يعكس من ثقافة محلية مرتبطة بالواقع الحضاري، ومن ثم مرور الزمن على النص يستوجب منا كدارسين لهذا النص أن نأخذ بعين الأعتبار مسألة الترابط تلك لنكون قادرين أكثر على الأقتراب منه وتحليله وونقده بناء على المتغير الرئيسي هو الزمن كعلة للتجديد. لقد بدأ نصر حامد أبو زيد دراسته التجديدية لمفهوم النص وعلاقته بالزمن من نقطة حاسمة أثارت عليه المدرسة المحافظة التي تزعم أن النص كيان ثابت بمعزل عن العوامل المتحركة وعلى رأسها وأولها الزمن، فكان رده النظري يدور حول مفهوم بلورة المعنى أولا قبل أن يأخذ دوره في التفسير أو التأويل، ويضيف أبو زيد (أن بلورة مفهوم للنص قد يزيل بعض جوانب هذا التعتيم، وأن محاولة لاستقطار دلالة التراث لتأصيل مفهوم معاصر للنص، معتبرا أنه من الطبيعي أن يكون المدخل لدرس النص القرآني مدخل الواقع والثقافة) . نجد موضوع التركيز على العامل الثقافي والزمن ليس فقط نظرية يمكن مناقشتها بل هي الواقع الذي يتميز فيه التراث كمفهوم، فالتراث مرتبط بالزمن من جهة وبالواقع من جهة على أنه ثقافة الغير وتعبير حقيقي عن تجربة خاصة مرتهنة بواقعها الثقافي ومنه اللغوي، أي أن التراث هو ثقافة مجتمع عاش في زمن أخر وتمتع بخط ثقافي مختلف عن الحاضر الراهن وله خصائص التجربة التأريخية، لذا سمي تراثا (الواقع الذي ينتظم حركة البشر المخاطبين بالنص، وينتظم المستقبل الأول للنص وهو الرسول، والثقافة التي تتجسد في اللغة، بهذا المعنى يكون البدء في دراسة النص بالثقافة والواقع بمثابة بدء بالحقائق الإمبريقية ، ومن أجل الكشف عن هذا التداخل العلاقي بين النص والثقافة تعتمد هذه الدراسة بصفة أساسية المدخل اللغوي) . إذا علاقة التجربة بالزمن علاقة حقيقية وهنما التجربة ليست بعيدة عن النص كلغة وكثقافة وكواقع منتسب للماضي بكل نجاحاته وأخفاقاته، ولا يمكننا فصل النص عن واقعه وعن زمنه وعن كونه تجربة خاضها المجتمع بناء على محدداته وقيمه الرأسية، فالمفكر المصري الأخر السيد القمني الذي يعد واحدا من نجوم التجديد في الفهم القرآني بناء على كونه ثقافة مرتبطة بالزمن ومؤسس على علل منها معروف ومنها متأول أو مرموز في حينه يؤكد قضية دور العامل الزمني في تحديد هوية النص ومن ثم قصديته، (في هذا السياق يرى أنّ للقرآن هناك بعدين الأول حقائق، تتعامل مع أحداث تأريخية حدثت في التاريخ الإسلامي، مثل غزوة بدر ومعركة أحد وصراع اليهود مع المسلمين في يثرب وغيرها من الأحداث، والثاني روحي وميثولوجي إسطوري لم يحدث بصورة عملية فيزيائية وإنما يمكن إعتباره رموزاً وليس حقائق تأريخية) . القسم الثاني من التصنيف الذي نادى به السيد القمني هو الأكثر وضوحا في علاقته بالزمن، برغم أن الصنف الأول يعد زمنيا بالكامل حيث أنتسب للواقع ولم ينتسب للخيال أو الرمز، لكن الثاني أستخدم في النصوص لكونه لا يمكن تمريره في ثقافة لم تتعرف بعد على أنساق مضمرة ولم تتعاط به، كقضية نزول الملائكة للمحاربة والمقاتلة مع المسلمين في معاركهم ضد الخصوم أو حتى في قضية الإسراء والمعراج مع عدم نفي أحتمالية الحدوث برغم تعارضها مع قوانين العلم والمنطق الواقعي. وإكمالا للبحث حتى تتضح صورة دور الزمن في تحديد فهمنا للنص يمكننا أن نقول بأختصار شديد عنه (أنه الناتج عن تلك العلاقات الجدلية المتعددة الأوجه بين كل من الإنسان وذاته والتى يبرز عنها ذلك الزمان الذاتى والذى تم التعبير عنه بالساعة البيولوجية الداخلية للإنسان، والذى عنى به الفن والفلسفة والفكر عموما وايضا بين الإنسان وغيره، وبين الإنسان والواقع وأحداثه الواقعة من حوله، وينتج عنها ذلك الزمان الموضوعى والذى عنى به العلم)، فهذه العلاقات الثلاث التي عني بها الزمن لو طبقناها على معرفتنا للنص كونه أيضا يتناول ذات العلاقات المذكورة نصل أن الزمان الموضوعي هو المعني بالبحث هنا والدراسة.
|