المذاهب المتعددة والأقليات ظاهرة موجودة في كل دول العالم ، بما فيها أوروبا وأمريكا ، وتعرضت الأقليات المسلمة واليهودية قبل قرون إلى مظالم من دول أوروبا التي تواجدوا فيها ، بل تعرضت بلدانهم للسلب والنهب والقتل والتقسيم ،خاصة الشرق الأوسط ، وما يجري الآن من تدخل سافر دليل على ذلك ..
وفي أمريكا الديمقراطية الهنود الحمر السكان الأصليون تعرضوا إلى عمليات إرهاب من قبل المهاجرين البيض وتم إبادة اغلب السكان المحليين إبادة جماعية حتى تحول الزنوج إلى أقلية ، وفي استراليا تعرض السكان الأصليون ( الأبورجينيز) إلى عمليات إبادة جماعية من قبل المستوطنين الجدد الذين زحفوا على استراليا وانتزعوها من سكانها كما صنعت إسرائيل في فلسطين .. ويعاني الغجر في جميع مدن أوروبا من تهميش مستمر، فهم رغم كثرتهم إلا إنهم لا يضمهم وطن ولا يمنحون وظيفة ولا منصب ، بعكس الدساتير التي تتحدث عن الحقوق والمساواة بين أبناء الشعب في بلدانهم ، وان اعتبرت هؤلاء يمارسون مهنة غير شريفة " بعرفنا" فان أكثر من نصف الأوربيين ليس لهم آباء ولم تتزوج أمهاتهم زواجا شرعيا ...
{وجميع} الأنظمة الغربية ورغم قوة النظام الديمقراطي فهي تعيش صراعات قومية ودينية ، ولا تزال مآسي حروب هتلر التي إنطلقت وفق نظرية تفوق الجنس الآري دفعت ثمنها البشرية بأكثر من عشرين مليون قتيل ولا زال نفس التعالي الأمريكي والغربي يسري في عروق جميع حكام أمريكا والغرب على هذه النظرية من الناحية العملية مع الاحتفاظ بعنوان الحكم الديمقراطي ,, والديمقراطية تعني ترجيح رأيهم وحقهم دون غيرهم في صناعة التسلح والتكنولوجيا ورسم سياسة العالم ، واحتلال البلدان بعنوان الحرب على الإرهاب ...
في بريطانيا الاقتتال بين الكاثوليك والبروتستانت منذ أمد بعيد ، وإقصاء الطائفتين لبعضهما لا يمكن ستره عن الآخرين , وفي أيرلندا الشمالية مشاكل المهاجرين ...ومشكلة الأقليات في بريطانيا وألمانيا وهولندا وصلت إلى حد التهديد بالتهجير والطرد من البلاد وتسقيط الجنسية كما فعل صدام بالعراقيين في الثمانينات..! وشهدت فرنسا مؤخراً أعمال عنف بسبب البطالة من المهاجرين أبناء الأقليات رغم امتلاكهم جنسية فرنسية إلا إن التفرقة المترسبة في نفوس الفرنسيين لا تعطي الفرنسي المهاجر حق العمل والعيش بسلام ، ومنظمة الباسك في اسبانيا التي تطالب بالاستقلال والتي تخلت أخيراً عن استخدام القوة تعاني من إقصاء متعمد من حكام اسبانيا....
في البلدان العربية والإسلامية لا يختلف الحال في معاملة الأكثرية للأقلية ، وربما بالعكس حين تتسلط الأقلية على الأكثرية كما حدث في العراق والآن في البحرين ، سواء على مستوى المذاهب أو القوميات أو الأديان ، والصراع الذي يطيح بمستقبل مصر ووحدتها وترابها اليوم هو صراع قومي ديني بين المسلمين والأقباط ، وقد بلغ الأمر مرحلة حين اعل بعض القادة من الأخوان المسلمين عدم حق الأقباط التصرف في الحقوق العامة لمصر..!!
في دول الخليج قاطبة عوائل تسلقت هرم السلطة بوسائل لا يعرف تفاصيلها إلا الله ، تحكم مرة باسم المذهب حين يداهمها الخطر ضد طائفة معينة مثل حاكم البحرين ضد الشيعة ، وتحول من رجل متهتك شارب خمر الى مرشد ديني حسب متطلبات المرحلة السياسية ..وأمير السعودية رجل لا يحسد السعوديون على نهجه واسلوب حكمه ، فهو يحتسي الخمر مع جورج بوش علنا ، ويصدر امر منع قيادة المراة للسيارة ويوقع على الفتاوى الوهابية ضد السنة والشيعة .. مواقف لا تخطر على بال إنسان ..!! موقفه ضد الشيعة والمذاهب السنية الأربعة وبقية الأديان والقوميات في المملكة معروف بالعداء ، ولا يعتبر غير الدين الوهابي دينا في المملكة السعودية ، وهو الذي أعطى الضوء الأخضر لأمريكا بضرب العراق عام 1991 م بعد احتلال الكويت بشكل اثر سلبا على العراق وستبقى آثار تلك الحرب لأجيال عديدة .{ ومن يريد المزيد يرجع لتفاصيل فتوى علماء السعودية في جواز قتل الشعب العراقي التي صدرت قبل الهجوم على العراق عام 1991م}.
وظهرت اليوم دولة قطر التي دخلت الساحة بقوة اقتصادية وتآمرية لم تسبقها دولة في المنطقة من قبل .. تدخلاتها في تونس ومصر والمغرب والعراق ، وشكلت جيش النصرة والجيش الحر لقتال السوريين والعراقيين، ودعمت ماديا وإعلاميا رجال دين مثل القرضاوي الذي دس انفه كل جريمة فيها دماء وقتل وحرق وإرهاب ، وتحول من داعية إسلامي يتبنى الخط الصهيوني التكفيري ، ويعظم أمريكا وإسرائيل وأمير قطر من دون الله...
التدخلات التركية في العراق والمنطقة هي لعبة تجري بعناوين طائفية وقومية ودينية وديمقراطية،وهي من دول محور التآمر الجديدة مع قطر وإسرائيل بعد انحسار دور السعودية سياسيا وبقاءه ماديا .. والشعب العراقي يتذكر الشعارات التي رفعها البعثيون طيلة فترة حكمهم ،المصالح الضيقة للحزب هي الأساس ولكنهم مرورها بعنوان مذهب معين ضد مذهب آخر ورفعوا شعار القومية العربية للتعالي على جميع القوميات في البلد .
وحركة ملا مصطفى البرزاني إقليم كردستان حاليا .. ليست بعيدة عن ذاكرتنا ، تلك الحركة التي قتلت من أبناء الشعب العراقي في حروبها المتكررة مع الحكومات الديمقراطية والعنصرية والدكتاتورية أكثر من 250 ألف شهيد ومفقود عراقي اغلبهم من محافظات الجنوب ، رفعت اليوم شعار الديمقراطية ومن داخلها سياسة دكتاتورية قومية عنصرية مصلحية لا ترى إلا بعين المصلحة الكردية ..
وأخيرا نقول :الديمقراطية الأمريكية لا يمكن التقرب إليها ونقدها عند اغلب الكتاب ، خاصة بعد تحول الولاءات والأخلاقيات والمواقف ، حين تحول من كان يحارب أمريكا ويسميها { الامبريالية والنظام الرأسمالي } تحول موقفهم بين ليلة وضحاها إلى جانب أمريكا وسياستها الديمقراطية ، هذا التحول جعل دعم الكيان الغاصب لفلسطين نوع من الديمقراطية ،واحتلال البلدان وتمزيق الصف الوطني هو " النظام الجديد" وأصبحت لأقلام التي كتبت يوما عن النور ولعنت الظلام ، تحولت بقدرة قادر تمدح الظلام وتعده منهجا ديمقراطيا ، وأصبحت تقارير الأمم المتحدة التي قسمت بلدان المسلمين إلى بيانات لا يرتقي إليها الشك ،وأصبح كل من ينادي بالإسلام ويدعو للتوحيد المذهبي والديني رجعيا طائفيا متخلفا .. إنها النفسية المريضة التي لم ترقد من سبات يوم ذاك وهذا اليوم .. { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} (التوبة:87)