ان القوى الطائفية المتطرفة المعادية للأصلاح والتغيير التي تمترست نحو هدف تطويق ومحاصرة الحراك الجماهيري لغرض اضعافه وانهائه تدرك تماماً ان الحركات الشبابية لعبت وتلعب دوراً بارزاً في اطلاق شرارة الاحتجاجات واستمرارها في عدد من البلدان , ومنها تونس ومصر الى ان حققت هذه الاحتجاجات هدفها في احداث التغيير في الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية . والتي مثل فيها الشباب الداينمو المحرك لها . اذن الاصلاح والتغيير يمثل هدف الحركات الاحتجاجية وهذا ما تؤكده تجارب شعوب عديدة من بلدان العالم لا سيما ان الفكر الماركسي ينظر الى الحركات الاحتجاجية بأنها فعل ونشاط وتحرك جماهيري , ومن اسباب هذا الحراك هو صراع بين جماهير الشعب وكادحية وبين القوى الطائفية المتطرفة المهيمنة على صنع القرار التي تسعى الى مصادرة حقوق وحريات المواطنة مع غياب الخدمات والبطالة وتنامي الفساد, والآثار السلبية والمخاطر الناجمة من أزمات البلد السياسية والأقتصادية والأجتماعية والقانونية , هذه المخاطر يدفع ثمنها المواطن والوطن . وما تؤكده الماركسية ان محتوى اي صراع جماهيري هو صراع طبقي ويكون هدفه هو التغيير وهذا هو فعل ثوري بحق ان تواصل واتسع الحراك وتمكن من تحقيق هدفة التغيير . وهنا يكمن الفرق بين الحركات الاحتجاجية الداعية للتغيير والحركات الداعية للاصلاح التي تنطلق من فكر ليبرالي او رؤية محددة تركز على هدف محدد بعيد عن التغيير .
من هنا يكمن الخوف من مشاركة الشبيبة في الحراك ؟ ما هي مميزات الشبيبة :
1- الشبيبة في طبيعتها السيكولوجية منفتحة في علاقاتها وهذه الميزة تعطيها مقدرة كبيرة في العلاقات الاجتماعية والقدرة في التأثير والتعبئة الجماهيرية وتلعب هذا الدورالشبيبة المثقفة والمتعلمة نظراً لما تمتلكة من قدرة في مخاطبة الجماهير من مختلف الاعمار.
2- للشبيبة طموح وتتقبل الجديد وتسعى الية .
3- تتسم الشبيبة بممارسة النقد والجرأة والشجاعة في التعبير عن الراي ولديها مقدرة في الاستجابة للمتغيرات .
4-تتميزالشبيبة بالحماس والاندفاع والوعي وهنا يكمن دورها كداينمو للسير في طريق النضال الجماهيري نحو التغيير ,هذه الطاقة التي تمتلكها الشبيبة هي احد عناصر القوة للحراك الجماهيري .
5-يتسم الشباب بالقدرة على التنظيم وبهذا تمتلك الشبيبة المنظمة امكانية للتحول الى رقم في المعادلة السياسية و قوة يصعب تجاوزها من اجل التغيير وبناء دولة المواطنة والمحافظة عليها .
من هنا نصل الى اسباب استهداف شبيبة الحراك الجماهيري :
1- بهذه السمات التي تتمتع بها الشبيبة التي تؤهلهم ليصبحوا قوة مؤثرة ضاغطة دافعة بالحراك الجماهيري نحو تحقيق هدفة , وما يؤكد صحة ذلك ان الشبيبة تتبنى رؤى استراتيجية لنشاطها لهذا ما تؤكدة تجارب الشعوب والواقع الحالي في العراق ان الشبيبة في نضالها في الحراك الجماهيري لاتكتفي برفع مطاليب اجتماعية واقتصادية وانما تربطها بمطاليب حقوقية وسياسية مثلاً ضمان حقوق الانسان وضمان الحقوق والحريات واصلاح القضاء وتعديل الدستور بأتجاه ديمقراطي ……. الخ . وهذه احد مكامن الخوف من الشبيبة عند مشاركتها في اي فعل جماهيري .
2- في الممارسة العملية للشبيبة تبرز لديها القدرات الكبيرة على التعبئة الجماهيرية في الشارع وحشد جماهير من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية حول مطاليب وشعارات , كما ان مرونة وابداع الشبيبة تؤهلها الى ابتكار وسائل عدة لحشد الناس ومنها استخدام التكنولوجيا كوسيلة للتواصل الاجتماعي في المدن لأيصال رؤيتها للجماهير .
3- تدرك القوى الطائفية المتطرفة المعادية للاصلاح والتغيير ان مشاركة الشبيبة من طلبة الجامعات والمعاهد والاعداديات من كلا الجنسيين , ومنهم العاملون في القطاعات الاقتصادية وما تلعبة في هذا المجال الحيوي الشبيبة العمالية اضافة الى الشبيبة العاطلة عن العمل والكادحة وشبيبة الارياف في الحراك الجماهيري تعطي للحراك سمة الاستمرارية والامتداد والاتساع وزيادة فاعليته وضغطة الجماهيري, من هذا ان الطائفيون المتطرفون اعداء التغيير يدركون ان بمشاركة الشبيبة الواسعة في الحراك الجماهيري , فأن عملية التغيير ستكون هدف اساسي للحراك الجماهيري وهذا هو خط احمر لقوى المحاصصة الطائفية لأنه ينهي نظام المحاصصة وينسف مصالحهم الذاتية .
4- لهذا تعتقد القوى الطائفية المتطرفة المعادية للاصلاح والتغيير ان الايعاز الى ميليشياتها لتنفيذ عملية خطف الطلبة وتعذيبهم وتهديدهم واضعاف معنوياتهم سيتمكنون من الحد من المشاركة الواسعة للشبيبة في الحراك الجماهيري ليس في بغداد فقط وانما في المحافظات التي فيها حراك جماهيري , وهذا شكل من اشكال الضغط لمحاصرة الحراك الجماهيري واضعافة وانهائه , لكن عملها المشين هذا انعكس ايجاباً للحراك الجماهيري وسيرتد سلباً عليها اعلامياً وجماهيرياً وسياسياً , حيث فشلت محاولتها البائسة وارتفعت روح التحدي لدى شبيبة الحراك الجماهيري من كلا الجنسيين .
5- هنالك من وجهة نظري سبب او هدف آخر من اختطاف الشبيبة يكمن في ان الحراك الجماهيري تشارك فيه قوى سياسية ويسارية كالحزب الشيوعي العراقي وقوى التيار الديمقراطي والقوى الناشطة في الحراك المدني وقوى اسلامية معتدلة , وان هذه القوى تتميزبالمقدرة في التعامل والتعاطي والعمل مع الشبيبة وتضم في صفوفها قطاعات واسعة من الشبيبة , لا سيما ان الحزب الشيوعي يدرك قبل غيرة قدرات الشباب وحيويتهم وفاعليتهم ودورهم وتأثيرهم في النضال الجماهيري و في الابداع والعطاء وفي عمليات بناء دولة المواطنة وفي رسم ملامح المستقبل المشرق للشعب والوطن فوضع استراتيجية في مؤتمرية التاسع والعاشر بتجديد عضوية الحزب بعناصر شابة في كل هيائته القيادية من اللجنة المركزية الى الخلية الحزبية , وهنا تكمن حيوية وفاعلية الحزب ليس في الحراك الجماهيري فقط وانما في الحياة السياسية في البلد وفي وضع سياسة صائبة , وهذا ما يؤكد حقيقة ان اي حزب لا يضم في صفوفه شبيبة فانه يكون بلا تأثير وبلا مستقبل ويبتعد عن تحقيق اهدافة , لهذا وضع المؤتمرالعاشر للحزب (شعار التغيير…. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية) هذا الشعار لم يأتي من فراغ وانما تدعمه معطيات . وهذا هو مكمن الخوف من الشبيبة الواعية لأنها ستعطي حضوراً جماهيرياً فاعلاً للحزب ولقوى اليسار والتيار المدني الديمقراطي , وهذا ينعكس ايجاباً على فاعلية الحراك الجماهيري وزيادة ضغطة وتأثيرة . لهذا من وجهة نظري كان هذا احد الاسباب الغير مباشرة التي لجأ اليها الطائفيون المتطرفون من استهداف شبيبة الحراك الجماهيري , وبهذا فأن استهدافهم للشبيبة هواستهداف لكل القوى المدنية واليسارية والديمقراطية والاسلامية المعتدلة المشاركة في الحراك الجماهيري , لأنها تخشى وتتخوف من تغيير موازيين القوى في المجتمع .
معطيات واستنتاجات أفرزتها عملية اختطاف شبيبة الحراك الجماهيري :
1- ان سيناريوا الاختطاف واطلاق سراح الشبيبة المختطفة تحت ضغط جماهيري وتضامني يؤكد بما لا يقبل الشك ان الحكومة العراقية تعرف جيداً من هي الجهة المتورطة في عملية الخطف , وما يؤكد صحة ذلك ان عملية الاختطاف تمت في مركز العاصمة الذي يقع تحت حماية قوات امن بغداد , وان الخاطفين ليسو عصابات او مجاميع مافيا يستهدفون من عملية الخطف الاموال . وانما هم ميليشيات مسلحة نفذوا عملية الخطف في ظل تواجد الاجهزة الامنية والتي تعرفهم بشكل جيد لكنها لم تحرك ساكن .
2- وهذا ما يؤكد ان الحكومة لم تكن شريكة في عملية الخطف وانما متورطة غير قادرة على تنفيذ القانون وحفظ الامن . وارى ان عملية اطلاق سراح المخطوفين تمت بأتفاق سري غير مباشر بين الخاطفين والاجهزة الامنية . وهنا تثار تساؤلات منها هل الحكومة قادرة على حفظ الامن والامان ما بعد داعش ؟ هل تستطيع الحكومة حصر السلاح بيد الدولة وانهاء الميليشيات ؟ هل ستكون الحكومة قادرة على ضمان الحقوق والحريات الديمقراطية ؟ هل الحكومة قادرة على محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح والتغيير ؟
3- بعد تحقيق الانتصارات على داعش ظهرت ملامج تمترس القوى الطائفية المتطرفة بشكل اكثر وضوح , وبدأت بتصعيد الصراع على الصعيد الاعلامي والجماهيري والسياسي وحتى في مجال التشريعات القانونية مثال المقاومة الجماهيرية الواسعة الرافضة لتشريع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي , وهذا سيضع حكومة المحاصصة الضعيفة أصلاً امام اختبار جديد , صحيح ان الحكومة تساير القوى المتطرفة من نظام المحاصصة, لكن ارادة الجماهير ستكون اقوى بالوعي وبالتنظيم وتجميع القوى وبتعاون وتنسيق ميداني بين القوى اليسارية والديمقراطية والقوى المدنية و الاسلامية المعتدلة في الحراك الجماهيري ستكون الغلبة فيها لأرادة الجماهير .
4- قوى المحاصصة الطائفية المتطرفة لا تستطيع مواجهة الحراك الجماهيري وشبيبته بشكل مباشر لأن موازين القوى تسير ليس في صالحها , وما تخشاه القوى المتطرفة هو ان قواعد من قوى المحاصصة الطائفية بدأت تتعاطف وتؤيد وجهة الحراك اضافة الى قوى معتدلة عديدة تدعم وجهة الحراك كما ان هنالك تيار اسلامي معتدل يشارك في الحراك الجماهيري , وبدأ يظهر التنسيق والتعاون على صعيد القواعد الجماهيرية المشاركة في الحراك الجماهيري , هذا يساعد على استقطاب قطاعات اوسع من طبقات وفئات المجتمع وقوى سياسية للمشاركة في الحراك الجماهيري و ديمومتة وزيادة ضغطة وتأثيرة ومقاومة توجهات القوى الطائفية المتطرفة لتطويق الحراك الجماهيري واضعافة وانهائه , انها تخشى من تغيير موازين القوى في المجتمع لصالح الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية , لا سيما ان الحراك الجماهيري حراك شعبي متنوع ويستقطب بشكل متواصل شبيبة وجماهير من كل طبقات وفئات المجتمع العراقي وقواه السياسية , كما ان الحراك الجماهيري كسر حاجز الخوف في المجتمع وحقق نجاحات على الصعيد الاعلامي والجماهيري والسياسي.