عجرفة الخليجيين!!! |
لا أكِنّ أيّ وِدّ لدول الخليج، ليس بسبب أنظمتها الديكتاتورية الشمولية المستبدّة فحسبَ، بل للعجرفة التي يُعامِل بها الخليجيون من يقيم على أراضي بلدانهم، التي كانت قبل اكتشاف البترول مجرّد صحاريَ قاحلة، وعندما اغتنوا، وشبعوا الدولار بفضل آبار النفط والغاز، صارت أنوفهم في عنان السماء. الله يْنجّيك مْن المشتاق إيلا ذاقْ! صحيح أنّ تلك الصحاري التي كانت قاحلة إلى حدود بداية سبعينيات القرن الماضي استوطنتها الحضارة الآن، وصارت قِبْلة لرؤوس الأموال، وأرضا لتشييد ناطحات السحاب والأبراج الشاهقة، لكن، ما نفْع التغيير العُمرانيّ، وما نفْع الحضارة إذا لم يوازها تحضّر الفكر الساكن في العقول؟ بماذا يمكن أنْ نفسّر، مثلا، نظام ما يُعرف عندهم بـ"الكفيل"؟ أقلّ وأرحم وصْف لهذا النظام العرفيّ القبيح السائد عندهم، هو الاستعباد، الذي كان سائدا في المنطقة أيام الجاهلية، وما يزال مستمرا، في القرن الواحد والعشرين. إنه التخلف الفكريّ في أوضح تجلّياته. هؤلاء القوم لا يعتبرون من يقيم على أراضيهم مهاجرين، كما تفعل باقي دول المعمور، بل يسمونهم "مقيمين"، التي تعني أنّ هؤلاء المهاجرين هم مجرّد ضيوف عابرين، يكفي أن يغضب كفيل أحدهم، لسبب أو بدونه، ليجد نفسه مطرودا، بلا حقوق وبلا كرامة. الكثيرون يُعجبون بما وصلت إليه دوَل الخليج، أو بعضها على الأرجح، من تقدّم في البنى التحتية، لكنّ الشيء الذي يغفله هؤلاء، هو أنّ العقول والأيادي التي صنعت هذا التقدم، وهذا الازدهار العمراني، ليست خليجية، بل غربية. مهندسو ناطحات السحاب والأبراج والفنادق غربيون، والسيارات التي تجوب الشوارع وعربات الميترو اتي تجوب الأنفاق صُنعت في الغرب وليس في الخليج، وحتى اليد العاملة التي شيّدت تلك المباني الشاهقة واستخرجت النفط والغاز من باطن الأرض ليست خليجية، بل في الأغلب الأعمّ وافدة من دول أجنبية، من آسيا بالخصوص. فماذا صنع أصحاب الأرض. لا شيء! كل هذا قد يكون شيئا هامشيا، لكنْ، أن تسمع عن امتناع تقديم دولة خليجية لخدمة صحيّة في مستشفى عمومي، لمواطن من بلدك، بدعوى أنّ القانون لا يسمح بمعالجة الأجانب داخل أراضيها، رغم أنّ هذا المواطن يوجد في حالة صحّية حرجة، لدرجة أنّ لحم جسده بدأ يتحلّل، فهنا لا يمكن إلا أن تنتفض، وتصرخ في وجه هؤلاء المتعجرفين. القصة التي أوردتها صحيفة "المساء" عدد 2059، تحكي أنّ مواطنا مغربيا أصيب بجروح وكسور خطِرة جراء حادثة سير في العاصمة السعودية الرياض (الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية يا حسرة)، ومنذ ثلاثة شهور وهو يرقد في أحد المستشفيات هناك، بدون علاج، لحدّ أنّ لحمه بدأ يتساقط، وما يربطه بالحياة هو أنابيب التغذية والتنفس المحيطة به من كل جانب. رغم ذلك، تمتنع إدارة المستشفى عن استكمال علاج المصاب، حسب الرسالة التي بعثت بها عائلته إلى وزير الخارجية المغربي من أجل التدخّل لإنقاذ ابنها من الهلاك النهائي، وسبب امتناع الإدارة هو أن "القانون السعودي لا يسمح بمعالجة الأجانب على أراضيها". أكثر من هذا، يطالبونهم بالاتصال بالسلطات المغربية من أجل ترحيله إلى بلده الأصلي، بعد 15 عاما قضّاها هناك، لم تشفع له حتى في نيْل علاج وإنقاذه من الهلاك، وطبعا بعد دفع نفقات الانعاش قبل إخراجه من المستشفى. أيّ إنسانية هذه وأيّ إسلام؟ أيّ نوع من البشر هؤلاء وأيّ ضمير؟ هؤلاء الذين يدّعون أنهم أشقاؤنا يعاملوننا كعبيد، كحشرات، كأشياء بلا قيمة. منذ وعيْت حقيقة هؤلاء وأنا أتبرّأ من "أخوّتهم"، وأنظر إليهم نظرة مُرتابة، مسكونة بكثير من التوجّس وعدم الارتياح، والآن، بعد أن اطلعت على هذه القصة التي لا يجدر أن يكون مسرَحها بلد يدّعي أنه يطبق الشريعة الإسلامية، مثلما لا يجدر أن يكون مسرحُها في أي رقعة من العالم، ما دام أنّ لحياة الإنسان قُدسيّتها التي تسمو فوق جميع القوانين، فلا مكان للتوجّس وانعدام الارتياح، بل سأعلنها صراحة، وأقول بالفم الملآن: إنني أكره هؤلاء القوم!
* محمد الراجي :كاتب مغربي erraji2005@gmail.com |