عندما يصبح للصمت صدى ، وتفقد الكلمات معانيها ، وحياة لمن لا ينادي ولمن يهمس للباطل لتتزاحم المنابر باصوات عالية مطالبة بالحقوق ممن لا سمع لهم واضاعوا وجهة قبلتهم ، حقوق مسلوبة واجساد تعريها النيران وارواح تزهق بالاثم والكفر والعدوان ، لتتعالى الصرخات والنواح والبكاء ولا تبقى للانسانية بقية سوى تركة كبيرة ممن لا اب او ام او معين او مأوى لهم الا ما قدر الله وشاء رحمة منه وغفرانا. يبدو ان العراقيين اعتادوا على المشهد المتكرر بين الحين والآخر ومنذ الاحتلال الامريكي وتوالي الايام الدامية وسقوط الاعداد الكبيرة من ابناء هذا البلد الجريح ضحايا للعمليات الارهابية الجبانة التي لم يعد لها عنوان او مكان والشكوك القائمة بمن ينفذه والاساليب المتطورة التي تضاهي امكانيات الدولة ومحاولاتها لبسط الامن رغم تعدد القوات واجهزتها وكثرة الحواجز والسيطرات والانتشار الواسع لرجال الامن الا ان كل ذلك لم يحد من وقوع تلك الحوادث الاجرامية.
والسيناريو المتكرر بعد كل عملية تفجير ، من قبل القوات الامنية من ممارسات تكاد تكون (روتينية) وذلك بتطويق وقطع الطرقات ومنع الاعلام والمصورين للوصول الى المنطقة وفرض حظر التجوال ، وانتشال الجثث والمصابين ورفع مخلفات التفجيرات واخيراً يقوم رجال الاطفاء بعد خمد النيران الى مهامها الاخرى بغسل الشوارع والارصفة من دماء الضحايا والبقايا المتناثرة جراء الحادث الاليم وبذلك ساهمت القوات الامنية بمحي كل الادلة التي سببتها التفجيرات ويبدو ان التحقيقات اصبحت لا تعنيهم والبحث او السؤال عن كيف ولماذا يحصل كل ذلك او محاسبة او التحري عن المقصرين من تلك الاجهزة الامنية وكأنه امر اعتادوا عليه وعلى العراقيين ان يعتادوا عليه ايضاً اما الجهة المنفذة فهي مجهولة والارهاب هو اقرب اليه دائما في حين عندما تحصل عملية اجرامية حتى وان كانت فردية في البلدان الاوربية او الغربية تراهم يحيطون بساحة الجريمة وتبدأ عملية التحري ومن عدة جهات واختصاصات امنية في البحث عن كل جزئيات الحادثة للحصول على اكبر كمية من الادلة للوصول الى ملابسات الحادث واسبابه والوصول الى الجناة .
لقد اعز الله الانسان من بين الخلق منزلة ومكانة وخلقا من بعد خلق ليقوم النفس البشرية التي اعزها بالدين والطاعة والعبادة والمنزلة المقربة والبحث عن سبل العيش بامان واستقرار ورقي وتنافس في جوانب الحياة الانسانية والاجتماعية والوصول الى القيم النبيلة وتحقيق الاهداف السامية للمجتمعات المتطلعة دائما نحو الافضل .
في الوقت الذي تتفاقم فيه الامور والخروقات الامنية من خلال الايام الدامية والعمليات الارهابية التي طالت كل من يسلك طريقا او آمنا في بيته ، ليتزايد عدد الارامل والايتام لتكون شريحة واسعة من ابناء الشعب وحالة الفقر التي يعيشها البعض اصلا وفقدان الاب الراعي الاول للعائلة لتنتقل المعاناة الى الام والاولاد في تامين سبل العيش للاسرة وتضحيتها او زج الابناء في الاعمال التي لا تناسب اعمارهم والمخاطر الناجمة عنها والبعض يتخذ من الشارع سبيلا للبحث عن العمل وبشتى الطرق للعيش وما يتبعه من جوانب اخلاقية سلبية واخراج الابناء وحرمانهم من التعليم ، ليكونوا عرضة لاستغلال بعض ضعفاء الانفس واقحامهم بجوانب واغراض اجرامية وغير قانونية ليتسع فيما بعد عامل الجريمة في البلد .
لقد تزايدت اعداد اليتامى في السنوات الاخيرة بشكل اثارت مخاوف الدارسين والمهتمين بالجوانب الانسانية وحقوق الانسان وحقوق الطفل في العيش بأمان وحقه في التعليم ولا يقف الامر عند ذلك ، انها عملية هدم لجيل واسع من هذه الشريحة المظلومة دون الالتفات لمن يكفلهم ودعم العوائل التي تعيش في اوضاع مزرية ومساندتهم ماديا ومعنويا وتوفير سبل العيش لهم في حين ان الكثير من تلك العوائل تعيش تحت طائلة الفقر والضعف ويبدو ان بعض المنظمات الانسانية والمجتمع المدني ابدت اهتماما اكبر من مؤسسات الدولة في هذا المجال ويبدو ان المسؤول الاول لهذه الظاهرة وغيرها لا يبدي اهتماما وحصنوا انفسهم وعوائلهم خلف الجدران العالية والمناطق المعزولة المحصنة . اما ما يصيب الشعب لا يعنيه ويقابل بالصمت والكتمان تارة او بكلمات لا تضاهي مع رقتها وشفافيتها شدة الآم المصابين ومعاناة ذوي الشهداء .
|