منفذ طرابيل والأزمة العراقية الراهنة |
منذ عدة أيام اتخذت الحكومة العراقية قرارا بإغلاق منفذ طرابيل الحدودي مع الأردن وأرجعت قرار الإغلاق إلى أسباب أمنية تتعلق بالشأن الداخلي العراقي . لا أحد ينكر على الحكومة العراقية حقها في إغلاق حدودها متي كان هناك خطر داهم لا يمكن التصدي له إلا بإغلاق الحدود فهل هناك فعلا خطر حقيقي يستلزم إغلاق الحدود ومنع العبور منه ؟ألم يكن ممكنا أن كان هناك فعلا خطر أمني أن يتم زيادة القوات الأمنية هناك وتشديد الإجراءات الأمنية حتى لا تتعطل مصالح العباد. من المعروف أن هذا المنفذ هو رئة العراق التي يصلها عن طريقها البضائع والسلع ،كما أنه حاليا ملجأ الكثير من الراغبين في السفر البري خارج العراق خاصة بعد استحالة استخدام الحدود السورية العراقية نتيجة للوضع في سوريا فكيف يتم اغلاق هذا المنفذ دون تفكير في الأضرار الناتجة عن هكذا قرار أم أن وراء هذا القرار أمر آخر يجعل الحكومة تقفله دونما تفكير في العواقب . أول اضرار هذا القرار هو احتجاز المئات من المواطنين على جانبي الحدود ،فمن كان مسافرا من العراق إلى خارجه عبر هذا المنفذ اختار بعضهم عدم العودة إلى مناطقهم ومحافظاتهم أملا في انفراج الأزمة ونظرا لصعوبة التنقل في ظل كل الظروف التي يمر بها العراق ،وعلى الجانب الآخر هناك عراقيين راغبيين في العودة إلى العراق ويستخدمون هذا المنفذ كي يعودوا لأهلهم وهؤلاءأيضا محتجزين على الجانب الآخر من الحدود في ظروف جوية شديدة القسوة وجو حار لا يحتمله الكثيرون ،هؤلاء قد لا يستطيعون العودة مرة أخرى إلى الأردن وبالتالي فهم مجبرون على البقاء في العراء دون معرفة متى سيفتح المعبر مرة أخرى،وبين المحتجزين أطفال وسيدات وكبار في السن فكيف يحتمل هؤلاء البقاء في مثل هذه الظروف القاسية . الضرر الثاني وهو أيضا يشكل خطورة اقتصادية هي منع الحافلات التي تحمل البضائع والسلع من الدخول إلى العراق،وبعض هذه الناقلات تحمل مواد غذائية بكل تأكيد ستفسد نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وعدم وجود ثلاجات تستطيع أن تعمل كل هذه الفترة دون توقف وهو ما يشكل خسارة للشركات صاحبة البضائع وخسائر أيضا لشركات الشحن والنقل وأغلبها شركات عراقية مجبرة الآن على دفع غرامات يومية للمنفذ الحدودي في الأردن وكذلك تعويض الشركات عن التأخير في تسليم البضائع ،فهل فكر صاحب قرار اغلاق منفذ طرابيل في كل هذه الخسائر وأثرها على الإقتصاد العراقي ،بكل تأكيد لن تقوم الحكومة العراقية بتعويض التجار عن خساراتهم وبالتالي هم من سيقومون بدفع الغرامات وتحملها مما قد يهدد الكثير من الشركات بعدم القدرة على تحمل هذه الخسائر وربما قد يتعرض بعضها لشبح الإفلاس فمن سيعوضهم . وهل فكر صاحب هذا القرار بأن قرار اغلاق هذا المنفذ سيشكل دافعا قويا لهروب الإستثمارات الإقتصادية من العراق نظرا لخوف أصحابها من هكذا قرارات مفاجئة تجعلهم يخسرون ،ومن المعروف أن رأس المال جبان لا يحتمل هكذا مغامرات والنتيجة هي حرمان الإقتصاد العراقي من الإستثمارات التجارية وهو الحرمان الذي تحسب له كل الحكومات المحترمة ألف حساب قبل أن تفعل هذا الأمر . إن قرار إغلاق منفذ طرابيل وهو الأمر الذي تكرر كثيرا لذات السبب والحجة هو قرار سياسي سيء بكل ما تعنيه الكلمة ،فمن اتخذ هذا القرار لم يفكر إلا بمعاقبة أهل الإنبار على مظاهراتهم واحتجاجاتهم ولم يفكر في أبعد من ذلك ،لم يأخذ في اعتقادي رأي وزير الإقتصاد والمتخصصين في هذا المجال في هكذا قرار وأبعاده . قد يرى البعض أن الحكومة بما أنها لن تدفع تعويضات مالية للشركات المتضررة من القرارات لن تخسر شيئا ،وقد يرى البعض أن خسائر الشركات تهون أمام ما يحدث في الأنبار ،بل وقد يقول البعض أن الأمن وتوفيره وحمايته أهم بكثير من الإقتصاد ولكل هؤلاء أقول نظرتكم قاصرة ولا تحيط بالصورة الكلية للأمر ،فمن يضمن ألا تقوم الشركات المتعرضة لكل هذه الخسائر برفع قضايا ضد الحكومة العراقية تطالبها فيها بالتعويضات المادية لهذه الخسارة ،وحتى وان لم تربح هذه الشركات هذه القضايا فيكفي رفعها أو حتى الصور التي تتناقلها القنوات الفضائية والصحف العالمية لمنفذ طرابيل كي تهرب العديد من الشركات من العراق مما يعني رفع نسبة البطالة بين صفوف العاملين في هذه الشركات من العراقيين وخسارة العراق لمورد لا يستهان به للعملة الأجنبية فهل هذا لا يعد خسارة للعراق . أما وإن كان الأمر يتعلق بمحاولة وأد المظاهرات في الأنبار أو منع خطر وصول أسلحة للمتظاهرين أو أي حجة أمنية فبكل تأكيد هي حجة فاشلة وواهية لأن الأمن لا يتحقق بهذه الطريقة ،فمهربو الأسلحة بكل تأكيد لن يستخدموا المنفذ الحدودي ليدخلوا السلاح علنا وأمام الجميع ،كما أنهم لهم طرقهم عبر الصحراء والتهريب عبر الحدود أمر تعرفه كل دول العالم ،وبالتالي غلق هذه الحدود يزيد من التهريب عبر طرق يعرفها المهربون ويجيدون استخدامها مما يشكل خطرا أمنيا حقيقيا على العراق وعلى اقتصاده نتيجة حرمان العراق من المبالغ المالية التي تدفع كجمارك على الورادات إلى العراق . |