الفساد في العالم العربي... وتغييب نظام الشفافية!

 

 

 

 

 

مع انتشار ظاهرة الفساد في العديد من الدول العربية، في ظل سيادة العولمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، واستغلال بعض المسؤولين لمواقعهم وسلطاتهم من أجل تحقيق منافع ومصالح شخصية خاصة لأنفسهم، ظهرت الحاجة الماسة لمكافحة هذا الفساد والتصدي له، وكان هناك قناعة تامة لدى الجميع في الداخل والخارج بأن تفعيل المزيد من الشفافية وإتاحة المعلومات والحوكمة والمساءلة وتشديد الرقابة تعد من أهم المقومات والأدوات والوسائل اللازمة لذلك التصدي، بحيث تتيح لكافة الأطراف المعنية ذات المصلحة ولجميع أفراد المجتمع العربي بشكل عادل معرفة وفهم وتحليل ما يحدث في يسر وسهولة.

فالفساد ليس مجرد كلمة إنما هو مرض عضال يضرب مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص ويعشش في كل مكان إذا أتيح له ذلك. فهو أقل ما يقال فيه إنه الداء المستعصي على إيجاد الدواء له إذا استفحل في مكان ما. والفساد موجود في كل زاوية من زوايا المجتمع العربي الواسعة والمتعددة، ومنها الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والإداري والاجتماعي والثقافي والاعتقادي.

أما ترتيب الدول العربية في مؤشر الفساد من الأقل فساداً إلى الأكثر لعام 2012 فقد كان على النحو التالي:

1)   الامارات (المركز 27 عالمياً بـ6.6 نقطة مكرر مع قطر).

2) قطر (المركز 27 عالمياً بـ6.6 نقطة مكرر مع الإمارات).

3) البحرين (المركز 53 عالمياً بـ5.1 نقطة).

4) الأردن (المركز 58 عالمياً بـ4.8 نقطة).

5) سلطنة عمان (المركز 61 عالمياً بـ4.7 نقطة).

6) الكويت (المركز 66 عالمياً بـ4.4 نقطة).

6) السعودية (المركز 66 عالمياً مكرر مع الكويت بـ4.4 نقطة).

7) تونس (المركز 75 عالمياً بـ4.1 نقطة).

8) المغرب (88 عالمياً بـ3.7 نقطة).

9) جيبوتي (94 عالمياً بـ3.6 نقطة).

10) الجزائر (105 عالمياً بـ3.4 نقطة).

11) مصر (المركز 118 عالمياً بـ3.2 نقطة).

12) لبنان (المركز 128 عالمياً بـ3.0 نقطة).

13) جزر القمر (المركز 133 عالمياً بـ2.8 نقطة).

14) سوريا (المركز 144 عالمياً بـ2.6 نقطة).

15) اليمن (المركز 156 عالمياً بـ2.3 نقطة).

16) ليبيا (المركز 160 عالمياً بـ2.1 نقطة).

17) العراق (المركز 169عالمياً بـ1.8 نقطة).

18) السودان (المركز 173 عالمياً بـ1.3 نقطة).

19) الصومال (المركز الأخير عربياً وعالمياً بـ0.8 نقطة).

إن تراجع المراكز العربية في مؤشر الفساد العالمي يؤكد أن الفساد ما زال ينخر في أوصال معظم الدول العربية. ومن المفيد الإيضاح أن الفاسدين المفسدين في المجتمعات كافة لم يقدموا شيئاً مفيداً لمجتمعهم بل إنهم يبخلون بكل شيء ويسعون وراء كل شيء والمال لديهم زينة وامتياز ومصدر قوة دون أي اهتمام بالعمق الاجتماعي الواجب تحقيقه إنهم ممقوتون لأنهم يقولون ما لا يفعلون. أما فساد الاعتقاد فهو طمس للحقائق وتغييب للعدالة لتسود الظنون النابعة من الغرائز غير المنضبطة التي تعتمد على الشك والإنكار والأوهام والمكر والختل والكذب والخداع والاعتقاد الخاطئ وثبات الفكرة الخاطئة ممن يهزون القيم الإنسانية النبيلة دون رحمة على حين أن الظن هو أكذب الحديث. وأنصار الفساد ليسوا قلة ولا أسنانهم أسنان حليب، فهم منظومة متكاملة تعيث خراباً أينما حلّت، فالفاسدون يمكن توصيفهم بحزب الفساد الذي يعد من أكبر الأحزاب وأكثرها منعة وانتشاراً، فهو لا يعرف هويات ولا يعرف حدوداً، لكنه يعرف طريقاً واحداً هو تخريب المجتمع ومؤسساته. وإذا كان الفساد عابر للقارات إلا أن الدول العربية تنميه وتعتني به حتى أصبح حالة طبيعية في حياة شعوبها.

وفي وقت سابق، كشف المدير العام لمنظمة العمل العربية ''أحمد لقمان'' في تصريح صحفي، أن حجم الفساد في الدول العربية بلغ 400 مليار دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي. ولو تمّ استثمار هذا المبلغ فإنه كان سيساعد في توفير نحو 18 مليون فرصة عمل جديدة مما سيمكن سوق العمل العربية من استيعاب أفواج كبيرة من الراغبين في الشغل.

وفي ضوء احتلال العديد من الدول العربية لمراكز متأخرة في تصنيف الشفافية الدولية الذي تعده وتصدره منظمة الشفافية الدولية، والتي أكدت أنه في ظل ضعف الشفافية وزيادة حالات تعارض المصالح، وتدخل الحكومات العربية في عمل الجهات الرقابية العامة والخاصة فقد أصبح للمحسوبية تأثير كبير على الكثير من الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في عدد من الدول العربية، بحيث أضحت الرشوة والمحاباة من الأمور المقبولة على نطاق واسع في هذه الدول وكأنها من مفردات وثوابت وحقائق الحياة.

ووفقاً لبيانات منظمة الشفافية الدولية فإن مستويات الفساد وسوء استخدام السلطة والتعاملات السرية ما زالت مرتفعة للغاية في الكثير من الدول العربية، وتشير إلى حصول صفقات سرية في مبيعات الأسلحة في بعض الدول العربية التي تم فيها الكثير من عمليات الفساد المالي والإداري وفق البيانات التي ترد إلى هذه المنظمة، حيث حصلت 81 في المائة من الدول العربية على درجة أقل من 50 في المائة في المؤشر. فقد سجلت المملكة العربية السعودية 44 نقطة على مؤشر الفساد العالمي من إجمالي 100 نقطة، واحتلت المرتبة 66 مكرر عالمياً، فيما احتلت الكويت مرتبة السعودية نفسها. وكان هناك تراجع كبير في ترتيب الدول التي شهدت أجواء الربيع العربي التي ما زالت تخيّم عليها سياسياً واقتصاديا واجتماعياً. وما زالت هذه الدول تعاني من خلل في أنظمتها اليومية، الأمر الذي أدى إلى هذا التراجع في ترتيبها عالمياً.

لقد كانت معظم المراتب المتقدمة على المستوى العالمي من نصيب الدول التي تقع خارج المنطقة العربية. ففي المراكز الأولى للدول الأقل فساداً عالمياً كانت الدنماراك وفنلندا ونيوزيلندا، حيث حصلت على 90 نقطة في المؤشر المتدرج على 100 نقطة لأكثر الدول النظيفة، فيما كانت نسبة الفساد فيها صفر، بينما جاءت كل من الصومال وكوريا الشمالية وأفغانستان في المركز الأخير التي يكثر فيها مختلف أنواع الفساد المعروف في العالم. ومما لا شك فيه أن مؤشر منظمة الشفافية الدولية له العديد من الإيجابيات باعتبار أنه يعطي نوعاً من التشجيع والتنافس بين دول العالم، حيث تسعى كل دولة إلى تحسين رتبتها في المؤشر، كما أنه يعطي صورة إجمالية لدرجة الفساد في الدولة، حيث يعتبر مرحلة أولى لقياس الفساد تتلوها مراحل أخرى تساعد في عملية التحليل والتشخيص وتحديد أولويات المكافحة والإصلاح.

وتشير مصادر المنظمة إلى أن مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظمة يعتبر أداة لتقييم وترتيب الدول طبقاً لدرجة إدراك وجود الفساد بين المسؤولين والسياسيين في الدولة، وهو مؤشر مركب يعتمد على بيانات ذات صلة بالفساد تم جمعها عن طريق استقصاءات متخصصة قامت بها مؤسسات مختلفة ومستقلة وحسنة السمعة يقيم الدول بحسب درجة إدراك وجود الفساد في القطاع العام في الدولة، ويعكس آراء المراقبين من جميع أنحاء العالم متضمناً الخبراء من الدولة نفسها الجاري تقييمها ومن أجل أن يتم إشراك الدولة في عملية التصنيف، فلا بد أن تكون تلك الدولة مشمولة ضمن ثلاثة مصادر مسحية على الأقل من مصادر مؤشر مدركات الفساد، وبذلك، فإن وجود دولة ما في المؤشر لا يدل على وجود فساد في تلك الدولة، إنما يعتمد آلياً على توفر المعلومات.

ونخلص بذلك إلى أن محور الفساد هو رجل الوظيفة العامة الفاسد ويقابله أفراد فاسدون من المجتمع مروراً بمراحل التسلسل الوظيفي واستغلال السلطة بكل أنواعها وبما يتعارض مع القواعد التي تضبط قواعد الأداء. أما أشكال الفساد فإنها تعني ممارسة الفساد عبر المستوى الوظيفي أو المهني لمن يقوم بأعمال فساد، والدائرة التي يتم التحرك بها في ممارسة الفساد بأشكاله المتعددة التي منها الرشوة سواء أكانت نقدية أم عينية بغية تجاوز النظم والقوانين وهذا هو جوهر ظاهرة الفساد وأوسع مظاهره شيوعاً وارتكاباً.

أما المحسوبية فإنها تتبدى عبر التوزيع غير العادل للموارد وإشغال الوظائف من قبل غير المؤهلين والمحاباة غير الموضوعية للأقارب والأصدقاء، أما أشد أنواع المحسوبية خطراً فهي المحسوبية الدستورية حيث يتم حصر سيادة القانون بالبعد الإجرائي المقتصر على تطبيق منطوقه دون أن يمتد في معناه الأسمى إلى العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص فكلما كان المجتمع مستقراً وتوزيع الثروة عادلاً ساد القانون وترسخ دون الحاجة إلى القوة الخشنة.

أما الابتزاز، فتعريفه أنه انتزاع شيء ذي قيمة قسراً مقابل عدم استخدام السلطة أي عدم تعريض الآخرين أو مصالحهم للمساءلة القانونية. فالاختلاس، هو الاستيلاء على ما هو ذو قيمة اقتصادية من حامل الوظيفة العامة لأن المختلس لا يستطيع الاستيلاء على ما يريد إذا لم يكن ذا نفوذ سلطوي يمكنه من ذلك، ولا بد أن يكون في علم الجميع أن الاختلاس ظاهرة تفوق فساد الرشوة تأثيراً لأنها نهب منظم واستنزاف مستمر لما هو عام، إنه توسيع لنطاق الأعمال الخاصة على حساب المصلحة العامة لذوي النفوذ.

أما الاحتيال، فهو تشويه أو تزييف للمعلومات والحقائق لتحقيق منافع خاصة وله أشكال متعددة الأطراف والاتجاهات وأخطرها احتيال ذوي النفوذ لأن هذا الاحتيال يلحق الأذى بأفراد المجتمع ويخل بالثقة العامة وينهي كل مصداقية. لكن الفساد له نوعان من المستويات: الفساد على المستوى الكبير وهو الفساد السياسي، والفساد على المستوى الصغير وهو الفساد الإداري.

أما الفساد الكبير فهو انحراف بالسلطة بعيداً عن الحق والعدل وتحقيق حماية ذوي النفوذ الاقتصادي وهنا يتبين لنا سبب تهافت رجال المال والأعمال على المناصب ذات الحصانة لأن كل مزاياهم أنهم أغنياء فقط قادرون على شراء الأصوات الانتخابية.

أما الفساد الصغير فهو الفساد الإداري الذي يستشعره أبناء المجتمع بشكل حسي كل يوم لدى مراجعة أي جهة من الجهات الرسمية أو شبه الرسمية ومنها الجهات المالية والوحدات الإدارية والدوائر العقارية والمستشفيات العامة وغير ذلك الكثير. إنه فساد صغير لأنه صادر من جهات مسؤولة تملي على الموظف الصغير رغبتها وتفسح المجال أمام هذا الموظف صاحب التعامل مع الناس لممارسة الفساد وصولاً إلى علنية الممارسة الوقحة للفساد، وعندها يصبح الفساد الكبير هو الراعي والحامي للفساد الصغير والمدافع عنه والحاضن له والمنمي لأساليبه إنه الفساد القائم بشقيه الكبير والصغير في معظم المجتمعات العربية، حيث يتسلل إليها فارضاً ذاته وأجهزة امتصاصه بين جوانبها. والفساد هنا نجده مرتبطاً بمداعبة العواطف والشهوات وإشباع الرغبات بعيداً عن إعمال العقل الذي إذا توارى توارت معه كل المبادئ والقيم.

أما ساحة نشاط الفساد فهي في نطاقيه العام والخاص، فساحة فساد النطاق العام تكون لدى الجهات الرسمية ويكون من يمارس الفساد موظفاً أو عاملاً أو مسؤولاً بهذه الجهة العامة. وساحة الفساد في النطاق الخاص يكون بين أفراد المجتمع والمؤسسات الخاصة حيث تتراجع قيمة العمل لتحل محلها الوصولية والانتهازية المؤدية إلى الإحباط المجتمعي العام وهنا تبرز أهمية محاصرة الفساد العام والخاص لأن محاصرته شرط أساسي لتطويق الفساد الخاص حيث إن الفساد في نهاية الأمر هو إفساد المؤسسات الاقتصادية والسلطوية والثقافية.

 أما الفساد فله أسباب منها: السبب الاقتصادي ويتمثل بانخفاض مستوى المعيشة وتردي الظروف الاقتصادية، الأمر الذي يحمل بعض أفراد المجتمع ومن رحم معاناتهم لمصاعب المعيشة إلى التورط في بعض سلوكيات غير قانونية لتحقيق مكاسب مادية لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة عبر دخولهم في فك الفساد المفترس، وما يجب خشيته أن يصل الفساد إلى البيت عندما تطلب ربة المنزل المقابل لقاء ما تقوم به من أعمال كإعداد الطعام وغيره، التدخل الرسمي في النشاط الاقتصادي وتردي أداء هذا النشاط وتدني كفاءة وسلامة الأجهزة الرقابية وإحداث الثغرات عبر التعاريف أو التعليمات للولوج منها إلى تعطيل النظم وفتح باب ممارسة الفساد دون ترك أي دليل لإثباته حسب الصيغ القانونية مع صعوبة تشخيصه للتعامل معه، تدني مستوى الرواتب والأجور ولاسيما في القطاع الحكومي وينتج عن ذلك عدم توافر وسائل وأسباب الحياة العزيزة لهذه الأسر بسبب عدم كفاية الدخل وهنا تبرز الحاجة لزيادة مستويات دخول العاملين لأنها ستؤدي إلى التقليل من ممارسة الفساد مع الحاجة الملحة إلى عدم منح الامتيازات والمكافآت للمقربين وحرمان الآخرين من المخلصين والمثابرين والمجدين حتى لا ينزلقوا إلى مرتبة الفاسدين، غياب القدرة التنافسية وهذا الغياب يكون بسبب هيمنة عدد من الشركات المتنفذة على السوق وعدم فاعلية القوانين الرادعة معها وهذه الشركات المسيطرة تحصل على مستويات عالية من الربح ما يدفع ذوي الصلة من العاملين الرسميين للحصول على العمولات والرشوة وغير ذلك، الأمر الذي ينتج عنه ضعف الإنتاج وتراجع مستوى الخدمات الوطنية.

 

وأمام هذه الأسباب تبرز الآثار الاقتصادية للفساد التي تعوق التطور الاقتصادي بسبب سوء استغلال الموارد وانهيار القيم الاجتماعية وسلوك نهج تخطي النظم والقوانين وتناول ظاهر الأمور الفاسدة وليس الجوهر الموجب لتبسيط النظم والقوانين، والتعليمات دون استسلام لجمودها وتعقيدها والتطاول عليها.

 

فالدول العربية في حاجة إلى اعتمادات تقدر بـ 85 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة لمواجهة أزمة البطالة ويجب اتخاذ إجراءات وتدابير اقتصادية لمحاصرة آفة الفساد والقضاء عليها. الأمر الذي يتطلب إبداء المزيد من الجهود لتعزيز مؤشرات التنمية البشرية في الدول العربية، لتتحسن بالتالي جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية، بخاصة فيما يتعلق بقضايا التعليم والصحة والمسكن واحترام الحريات السياسية واحترام حقوق الإنسان وزيادة مخصصات البحث العلمي وغيرها من القضايا التي تهم كل فرد عربي.

وإنني أرى أن على الحكومات العربية إذا كانت لديها الإرادة والرغبة الحقيقة في تفعيل الشفافية وإتاحة المعلومات على أرض الواقع، ضرورة القيام بمجموعة من الإجراءات والمعايير المهمة، ومن بينها ما يلي:

أولاً: العمل على تنقية القوانين من المواد والبنود التي تحول أو تمنع تدفق وانسياب إتاحة المعلومات الصحيحة والدقيقة لجمهور المتعاملين وأصحاب المصالح، والتأكيد على أهمية إيجاد آلية أو وسيلة تضمن لهؤلاء المتعاملين الحصول على المعلومات في يسر وسهولة.

ثانياً: ضرورة إصدار قانون لإتاحة المعلومات، حيث يتيح هذا القانون لجميع المواطنين الحصول على المعلومات الدقيقة الموثقة في الوقت المناسب، بما يؤدى إلى خلق حالة من الثقة والمصداقية.

ثالثاً: الإفصاح عن دخول وإيرادات وممتلكات المسؤولين والسياسيين ورؤساء الشركات والمؤسسات والقيادات الشاغلة والمرشحة للمناصب العامة، وأعضاء لجان المشتريات والمبيعات، وأعضاء الهيئات التشريعية (ومن يعولونهم).

رابعاً: النشر وعلى نطاق واسع وبجميع الوسائل المتاحة، لكافة التقارير السنوية التي تعدها الجهات الرقابية كالجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي وغيرهما.

خامساً: توفير كافة الضمانات اللازمة لحماية المبلغين والشهود عن جرائم الفساد، كي يأمنوا على أنفسهم وأسرهم، وفي الوقت نفسه ضمان حماية المال العام والحفاظ عليه، ومن ثم العمل على تحقيق فرص أفضل للتنمية.

سادساً: إتاحة المزيد من شفافية البيانات والمعلومات المرتبطة بالمالية العامة للدولة عن طريق نشر كافة البيانات المالية الحديثة الدقيقة الموثقة.

لقد أدركت دولنا العربية كما أدرك العالم أجمع أهمية الإفصاح والشفافية وإتاحة المعلومات المالية الصحيحة والدقيقة والموثقة والمنشورة في الوقت المناسب وفي يسر وسهولة، في خلق وتعزيز حالة الثقة والمصداقية لدى جميع المتعاملين.

إلا أنه يجب التأكيد من وجود عدة أسباب رئيسة تحول دول تطبيق الشفافية وتفعيلها، والتي يمكن أن تؤدي أيضاً إلى غيابها في دولنا العربية، ومن هذه الأسباب ما يلي:

ـ ضعف السياسات المالية.

ـ البيروقراطية... التي تغلغلت إلى حد كبير في الكثير من أجهزتنا الحكومية وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة.

ـ وجود بعض الممارسات الاحتكارية من قبل عدد من المؤسسات، والتي تصل أحياناً إلى الاحتكار المطلق.

ـ تدخل الدولة في بعض ـ الكثير من ـ الحالات في عمليات العطاءات والمناقصات.

ـ الاختلالات الواضحة في الأجور والمرتبات.

وأخيراً وليس آخر أقول: لا تستطيع صحافة أن تحارب الفساد إذا وصل إلى قلبها الفساد، وصار رؤساء التحرير معينين بقرار حزبي أو بسبب القرابة، لا تستطيع صحافة أو أية وسيلة إعلام أن تحارب الفساد دون أن يكون هناك إعلام حر لا يخضع لرقابة الفاسدين. وليس بمقدور قضاء أن يحارب الفساد إذا وصل الفساد إلى شرايينه وراح ينخر في عظامه، ليس بمقدور القضاء أن يكون قضاءً إلا إذا كان مستقلاً عن السلطة التنفيذية، وتأتي أحكامه من وحيه النزيه.

 ليس لمؤسسة أن تحارب الفساد إذا كانت هي مصنعاً للفساد، ولكن لا صحافة ولا قضاء ولا مؤسسة قابلة لأن تحول دون ظهور الفساد، أو تحد منه، أو تشن حملة عليه دون ديمقراطية تحمي الفرد وينتصر فيه المواطن. فالمسألة هي عبارة عن حلقات مترابطة تكون الركائز الأساسية للمجتمع الذي تقاس حيويته بمدى تفاعله مع التطور القائم على احترام حقيقي لنظام عماده المؤسسات والتوازن ما بين حقوق وواجبات الوطن والمواطن.