أمطار وأفكار!!

 

 

المطر عند العراقي يقترن بالأخطار!

وما رأينا وجها مستبشرا بالمطر!

وإنما على مر العصور يستغيث الناس من المطر!

فيقولون: "عوذة , عوذة" أو "عويذة , عويذة إذا مطرت" "السما إمعبسة راح نغرك"!

"مطر لو غضب" , "هِجَم بيوتنا المطر" , " الدنيا دا تنتقم" , " الله يسترها , البيوت راح توكع على روسنا من المطر", " ما تعرف سَماها من بحرها", "يبو عله هالدكه جانه المطر"  وغيرها.

وفي شعر إبن المعتز تجد الكثير من أبيات الإستغاثة من المطر بذات المعنى!

وبتوالي الأجيال , ما فكر العراقي بكيفيات وآليات إستثمار طاقات المطر.

وقد كانت هناك محاولات جادة في العصور الخوالي , لم تفلح منها إلا جهود الدولة العباسية , التي نجحت في إنشاء نظام إروائي متطور , حوّل البلاد إلى واحة خضراء , من شمالها وحتى جنوبها , فسميت بلاد السواد , ولا تزال آثار ومعالم ذلك النظام الإروائي شاخصة.

وعلى مدى أكثر من ألف عام , فشلت الجهود العراقية في توظيف المطر لصناعة الحياة.

حتى الأهوار , هناك محاولات متكررة في التأريخ , للخلاص منها  , وتوفير الأرض اليابسة للإقامة والزراعة.

وما ابتكر العراقيون وسيلة للزراعة في الماء , أو البناء في الأهوار , وإستثمارها بأسلوب آخر , كما حصل في مدينة البندقية الإيطالية المعروفة , والتي هي عبارة عن هور كبير , تم إقامة أجمل مدينة فوقه.

إن المشكلة ليست في المطر والأهوار والبلاد , وإنما جوهر المشكلة في العقل والسلوك الذي يتحقق في المكان والزمان.

فالعراقي منقطع عن مكانه وزمانه , ومنهمك بالعبث السياسي والديني والحزبي والقبلي والعشائري , وغيره من وسائل تبديد الطاقات وضياع الأفكار والإجتهادات.

فهو لا يوظف عقله في التفاعل مع المكان , والإنطلاق منه نحو التواصل الحضاري المعاصر.

فالأهوار هي الأهوار على مر القرون , والإستغاثة من المطر متواصلة , والعجز والإستكانة دستور السلوك المتسيّد على الأيام.

ويبدو أن الطبيعة قررت أن تشارك في حل مشاكل العراق الحامية المريرة على مدى العقود , وبدأت بشد إنتباه الناس إلى ما هو نافع.

بل أن الأرض بدأت تساهم في حل مشاكله , لأنها تريد الحفاظ على توازن دورانها وإنسيابيته , التي ربما ستتأثر بخراب العراق.

وهي تقدم دعوة واضحة للإهتمام بأنظمة الري والزراعة , وإبتكار الوسائل الصالحة لبناء الحياة الأفضل.

فالمطر الذي يداهم العراقيين وفي هذه الأوقات , إنما يريد إنتشالهم من الإندساس في أوحال الماضيات , ويبصّرهم بضرورة التفاعل مع الآتيات , وأن يصنعوا مجد بلادهم , ويطعموا أنفسهم ويستثمروا ما عندهم من العناصر والثروات.

فالمطر يقدم رسالة مدوية ومتكررة , أن هيا أيها العراقيون نحو بناء الحاضر والمستقبل , وتحرروا من قيود التداعيات والتفاعلات البغيضة التي تلهيكم وتدمر وجودكم.

فهل سنفهم رسالة المطر, أم سنستكين للويلات , ولا نتعلم كيف نخزن مياه المطر؟!!