حديث المسؤولين |
تتقافز تصريحات المسؤولين ومناظراتهم على المسامع, وتظهر للملأ قدرتهم الفائقة في رصف الكلمات وتزويق الشعارات, فيقيموا الدنيا بسيرهم الذاتية وشهاداتهم وألقابهم وإمكانياتهم المبهرة لإدارة مؤسسات الدولة, حتى يشبعوا المواطن ضجيجا وصخبا ويصدعوا رأسه بالكلام, ولكن ما أن يتسنم هؤلاء المسؤولين العباقرة المنصب حتى يتضح إن ما هم إلا أقزام بملابس فضفاضة وليس لهم من المهارات غير قدراتهم اللامحدودة على الغش والخداع والكذب ولصوصية تتناسب طرديا مع ما أسبغوه على أنفسهم من ألقاب. فما أن ينجح المسؤول ويتقلد منصبه حتى تعم الفرحة والسعادة المواطنين بوصول هذا الوطني النزيه صاحب المؤهلات النادرة والقدرات الخارقة, ودموع كان يذرفها على هذا الشعب المسكين الذي وجد فيه القشة التي يتمسك بها في بحر متلاطم الأمواج ليصل به بر الأمان, ممنين النفس بتنفيذ ما وعدهم وما رفعه من شعارات, ولكن سرعان ما يصدم بزيف ادعاءه ووهن وطنيته, فلا برامج له ولا كفاءة طبل لها وزمر، ولا شفافية ولا نزاهة, فيعزل هذا المسؤول نفسه بحواجز وموانع لا يخترقها إلا أولوا حظ عظيم, فتنقطع أخباره وتختفي آثاره ما عدا ما تظهره قنوات الدفع النقدي الفضائية وصحف صفراء تقل قيمتها عن اصغر فئة نقدية مستخدمة, فتطالعك طلته البهية بحوار يروج لنجاحات صورية وانجازات وهمية لا نجد لها أثرا على ارض الواقع, فتمر الشهور والسنين وهذا المسؤول الأسطورة يقود مؤسسته نحو التدهور والانحطاط, ويرمي بتبعات فشله على أسباب وانحرافات تسبب هو في إيجادها, وكأن مهمته كانت خلق الانحرافات لإبقاء الفشل وتأصيل الفساد والاكتفاء بما يمنحه المنصب من امتيازات فاحشة دون وجه حق, وقد يتفذلك هذا المسؤول ويتحاذق ليعيد خطاباته الرنانة وانجازاته المهولة وفي اغلبها ينتهي زمن أجازها بعد انتهاء فترة ولايته, وقد تتساقط أوراق التوت عنه سريعا, فتنكشف عوراته فلا مشاريع قد بوشر بها لانجازها ولا عقود حقيقية قد أبرمت فيما تبخرت التخصيصات المالية واختفت كما يختفي المسؤول بعد انتهاء ولايته أو إقالته بعد أن زكم فساده الأنوف, وتشاء الأقدار بتغيير هذا المسؤول الفاشل والسارق والنهاب بصراع الكتل والأحزاب, ويؤتى بشخص آخر، فيأتي الخلف نسخة من السلف إن لم يكن أسوأ منه, ويعوض سريعا مافاته, فيقوم بالنهب والسلب وتسخير كل المقدرات الوظيفة لصالحه وعائلته وعشيرته وحزبه التي سيتمترس خلفه ويحتمي به, وبطريقة مافيوية يعمد إلى جعل معظم موظفيه سراقين ونهابين كما هو الحال عليه هو, فتتحول المؤسسة إلى مرتع للجريمة المنظمة. وبعد أن خدع هذا المسؤول الناس بوطنيته وقدراته فتراه وبعد أن شاء الله بتغييره أو انتهاء فترة توليه المنصب قد حزم حقائبه وانطلق مسرعا إلى حيث اتجهت أموال الشعب المنهوبة وعينه على فترة وزارية أخرى يعود فيها ثانية ليمارس لعبة الغش والخداع على أبناء شعبه مادامت القوانين لا تطاله وجنسية أخرى تمنحه الحصانة من الملاحقات القضائية, مع إننا نسمع بمصطلح الملاحقة القضائية دون أن نرى له أثرا على ارض الواقع اللهم إلا فيما ارتبط بالتسقيط السياسي وتصفية الخصوم. ويظل أولئك البسطاء الذين سعوا لإيصال المسؤول إلى المنصب ينتظرون وينتظرون لتحقيق أمانيهم, عاماً بعد عام, ومسؤولا بعد آخر, وحكومة بعد أخرى, ثم تذهب أحلامهم إدراج الرياح, ويكتشفون بعد حين إن هؤلاء المتقنعين بالوطنية والتدين والزهد هم المارقين حقا,ً وهم أعداء الوطن الحقيقيين وسبب نكسته, وهم الذين أعادوه عشرات السنين إلى الوراء. |