الإعتصام والإختصام!! |
الإعتصام: التمسك بالشيئ والتعلق به. وهو من العصمة أي المنع. والإختصام , من خصم , والخصومة الجدل , وخاصمه أي غلبه بالحجة. والخصومة الإسم من الإختصام. واختصم القوم وتخاصموا. وخصمك الذي يخاصمك , وجمعه خصوم. وفي ديمقراطياتنا العجيبة , هناك "إعتصامات" , حيث يجتمع الناس في الساحات ويخيمون , أي ينصبون الخيام , وهو سلوك مُتعلم من الثورة المصرية , حيث إحتشد الناس واعتصموا في ميدان التحرير وسط القاهرة , حتى أسقطوا النظام الحاكم. ويبدو أن إعتصامات الديمقراطيات الجديدة تهدف إلى ذات الغايات , وهي إسقاط الحكومات. وفي المجتمعات الديمقراطية , تتبدل الحكومات أحيانا كل بضعة أشهر إستجابة لإرادة المواطنين. وتبدل الحكومات سلوك ديمقراطي معروف , وتمارسه أعرق الديمقراطيات في المنطقة. ويبدو أن الديمقراطيات العربية , لأنها لا تزال ناشئة , فأنها عبارة عن خليط ما بين العقليات القديمة , والتي عليها أن تكون جديدة. ولا يمكن لأحد أن يتوقع بأنها قد إستوعبت الروح الديمقراطية , وتمكنت من الإنتصار على عاهاتها الإستبدادية الموروثة , وسلوكها الأبوي والتسلطي , الذي يحتشد في جميع خلاياها. فالحالة القائمة تشير إلى عجز فاضح , في مهارات التفاعل ما بين الأطراف. فكل طرف متمسك بأبويته واستبداده , ويرفض التسوية والتوافق الوسطي والتفاعل المنتج , بتقديم بعض التنازلات , التي تحقق مصالح مشتركة وذات قيمة وطنية نافعة. وكل طرف لا يفهم إلا بأساليب كسر العظم , ولا يخبر مهارات التراضي والحل النافع الذي يؤدي إلى تسويات وطنية صالحة. وكلٌّ يبرر كسره لعظم الآخر , وهكذا يدور ناعور التداعيات والخسران , في بلدٍ يتنكر له الإنسان. إن من بديهيات حل أي مشكلة , أن يكون السعي لإيجاد مخرج يرضي الأطراف , ولا يمكن الوصول إلى نتيجة مثمرة , إن لم تدرك جميع الأطراف , أن عليها أن تتقرّب إلى ما يساهم في تفاعلها الإيجابي , للوصول إلى حل يضمن ظفرَها , فلا يخسر أي طرف , وإنما يربحون. إن حكومات الزمن الديمقراطي , بحاجة إلى إستشارات في التفاعل مع الإعتصامات , التي تحسبها تحديا وتخاصما ومواجهة وعدوانا , إنطلاقا من آليات تفكيرها القائمة في دنياها. فالحكومات القائمة مولودة من رحم الأنظمة الإستبدادية , ولا تجد أمامها مثلا إلا ما كانت تقوم به تلك الأنظمة , ولهذا فهي ستميل إلى آلياتها في معالجة الحالات المستجدة في المجتمع. والتعامل مع الإعتصامات يحتاج إلى خبرات ودراسات , وتفهّم وعقول ذات قدرات حوارية معاصرة. أما التعامل معها بطرق بدائية , فلن يؤدي إلى نتيجة نافعة , وإنما يخلق مشاكل مضاعفة ويتسبب في تداعيات خاسرة ومكلفة. وفي هذه الحالة , على الحكومات أن تستشير الدول الديمقراطية , وتستأنس برأيها وتوجيهاتها في التفاعل مع الإعتصامات , وفرنسا مرشحة للإستشارة وكذلك الصين. فحكوماتنا لا تمتلك القدرات الديمقراطية الحضارية , للتعامل مع معطيات الديمقراطية , وأنها في عالم معزول عن الواقع الإنساني والجماهيري القائم في الحياة. الحكومات في عالم , والناس في عالم آخر! فكيف بربك يتم الوصول إلى نتيجة مربحة لجميع الأطراف؟!! |