أهمية الخبرة العملية في التعليم العالي

 

بهدف تحسين جودة التدريس في المستوى الجامعي يتعين على أعضاء هيئة التدريس أن يعملوا بعض الوقت خارج بيئتهم الأكاديمية في مهن ووظائف ذات صلة بالمقررات الدراسية التي يدرّسونها. ولاشك أن توفر التدريسيين على خبرة مباشرة في حقل أختصاصهم يعود بالنفع والفائدة عليهم وعلى مجمل العملية التعليمية لأن مثل هذا التوجه حري بتحسين نمط التعليم داخل الكلية. والفوائد المستقاة من ذلك لاحصر لها وتشمل الجانب العملي والخبرة في حقل الأختصاص والأحتكاك المباشر بالواقع العملي لأنها تعزز قدرات التدريسيين كثيرا مما يسهل عملية التواصل مع طلبتهم ومشاركتهم المعلومات التي أكتسبوها.
وتعتبر البراغماتية pragmatism واحدة من أهم المزايا التي تبرز الحاجة أليها في عصرنا الحاضر بهدف التنافس والنجاح الفعال في بأي حقل معرفي. ولنضرب مثالا على ذلك حالة طالب الطب الذي تغمره الفرحة لأن العملية الجراحية التي أجراها أستاذه قد ولّدت فرصا ومنطلقات جديدة يمكنه الخوض فيها ، فبمقدور الأستاذ الجامعي أن يشبع رغبات طلبته المعرفية من خلال الخبرات الحياتية العملية. من هنا نلاحظ أن غالبية أعضاء هيئة التدريس في الكليات الطبية هم في الواقع أطباء ممارسون. ثم أننا في هذا العصر نفكر في الواقع في الجانب العملي حين نتعلم نظرية جديدة فنحن حين درسنا قوانين نيوتن المتعلقة بالحركة أنصب أهتمامنا في الأساس على الأهمية العملية لتلك القوانين ، لذا لابد أن يتجه التدريسي الى عصف أذهان طلبته لأثارة أهتمامهم وخلق الدافعية لديهم في حقل الأختصاص الذي يدرّسه لأن مشاركة الطلبة في الخبرات العملية سوف يعينهم على فهم النظرية في وقت لاحق.
ولاشك أن الخبرة هي أفضل معلّم فهي تعين على تحديد المعوقات المحتملة وتعمّق معرفة المرء ، فالطلبة يحتاجون الى العون حين يواجهون أية عقبات في حياتهم لأن الخبرة تعين على تشخيص الأسباب المحتملة أولا ومن ثم العمل على تجاوزها؛ والخبرة في العادة تنقل الأنسان من حال الى حال أفضل. ولنأخذ على سبيل المثال عضو هيئة التدريس في أختصاص علوم الحاسبات الذي يخطط لتطوير موضوع ما ذي صلة بأختصاصه. مثل هذا التدريسي لايستطيع التوصل الى مايصبو أليه من برامجيات مالم يكن قد عمل في مشروع عملي حيث أن التجربة العملية تعينه على تحقيق المزيد من التعلّم الخاص بالأنماط ذات الصلة بالتصميم وأجراء البحوث اللازمة حول ذلك أو العمل على تطوير تصميم خاص به.
ويشير البعض الى أن بمقدور التدريسيين أكتساب الخبرة من التجارب المختبرية التي يقومون بأجراءها في مختبرات كلياتهم؛ الواقع أن مثل تلك التجارب لاتمثل سيناريوهات واقعية وعملية فهذه التجارب تجري في بيئة مغلقة تتيح التحكم بالعوامل المحيطة بنا أما السيناريوهات الواقعية فلايمكن التحكم بها على الأر جح. أن تشغيل ماكنة ما داخل المختبر ربما يعتبر أمرا ناجحا لأن بأمكاننا أن نتحكم بدرجات الحرارة والحمل وتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل الماكنة. لكن الأمر ليس كذلك في الواقع العملي فالطلبة بعد تخرجهم ينطلقون الى واقع الحياة الفعلي لتطبيق المعرفة التي أكتسبوها في كلياتهم. من هنا تصبح المعرفة والخبرات العملية التي يزودهم التدريسيون بها أمرا مهما سيما وأن مثل هذه الخبرات لايمكن تضمينها بسهولة في المقررات الدراسية التي يدرسونها بسبب ضخامتها وأن أكتسابها لايتم ألا من خلال الخبرة المباشرة.
خلاصة القول أن اكتساب المعرفة العملية في حقل الأختصاص أمر ضروري لكل من التدريسسيين والطلبة الأمر الذي يساعد على تأهيل طلبة خريجين يتحلون بمعرفة عملية حتى قبل أن يشرعوا بتطبيق المعرفة التي أكتسبوها على أرض الواقع.

ترجمة: هاشم كاطع لازم ــ أستاذ مساعد جامعة البصرة كلية الآداب