الإعلام صنفان .. صنف أبيض، وصنف أسود.. فهناك إعلام يحمل ضميراً وطنياً ومهنياً نقياً ، وآخر بلا ضمير وطني، ومهني .. وإعلام يشعل الحرائق، وإعلام يطفيء الحرائق، أو يساعد على إطفائها .. وثمة إعلاميون يعيشون على ( المكسرات ) والإختلافات، والمشاكل، والأخبار المفبركة، والملعلعة والفاسدة، وإعلاميون آخرون لا تجد لهم موضع ( قلم ) في هذه الأماكن الموبوءة ، لأنها ليست أماكنهم، ولا هم روادها.. وهنا أتذكر إني دعيت قبل تسع سنوات تقريباً من قبل زميل فلسطيني يعمل في إحدى الوسائل الإعلامية القطرية للإشتراك في برنامج مشترك مع إثنين من السياسيين العراقيين.. وقبل أن يبدأ البرنامج همس الزميل الفلسطيني في أذني قائلاً : (أريدك اليوم تولعها)؟ فرفعت رأسي نحوه، وقلت : شنو ؟ فقال : أريدك تولعها يافالح، وتجعلها سودة في عيون هؤلاء السياسيين الفارغين !! وما أن سمعت طلب الأخ (المولعاتي) حتى خلعت الهيدفون من أذني وقلت له : أنا صحفي وشاعر ولست ولاعة.. إبحث عن واحد يستطيع أن يكون ولاعة .. وغادرت البرنامج وسط دهشة الجميع .. واليوم، ومن موقعي الإختياري وسط المعمعة السياسية العراقية، وفي قلب المشهد الإعلامي العراقي أتابع مايدور أمام وخلف الصورة من قضايا، وصفقات، ومزادات سياسية، ومالية، فأشعر بالألم والوجع والحسرة لما يدور في عالم الصحافة والتلفزيون والنت والمواقع الإعلامية الأخرى من مآسٍ وآلام فظيعة. إذ بمكالمة تلفونية واحدة تستطيع هذه القناة الفضائية أن تأتي بثلاثة من ( المحللين السياسيين ) ليهشموا رأس واحد من السياسيين الوطنيين الشرفاء، فيجعلونه - وهو النزيه النظيف - حرامياً وفاسداً وعميلاً لإسرائيل وجمهورية بوركينا فاسو، وبورقتين أو ثلاث ورقات أمريكية خضر لا أكثر تجند هذه القناة أو تلك (صحفياً شريفاً) ليعد لها (ملفاً دسماً) عن أحد العقول الإقتصادية الوطنية المقتدرة والنافعة، أو إحدى الكفاءات المصرفية المعروفة، أو عن أحد رجال الإعمال المخلصين، فتجعله بقدرة الفوتوشوب، وتقنية الأنترنيت، او ربما بدون هذه الوسائل ( يعني بطرگ اللسان ) راشياً ومرتشياً، وممولاً لحملة هذا السياسي الخصم - وهو ليس كذلك - أو ممولاً لمشروع يتعلق بصفقة أسلحة لم تحصل إلا في الخيال، أو لصفقة أجهزة كشف متفجرات بريء منها الرجل، أو لمشروع إعماري، او أي ( حاگة يبيه )..!! المهم أنها تعمل بجد وقوة لإسقاط هذا الشخص المراد تسقيطه .. ونفس الشيء يحصل في تلك الجريدة، او في هذا الموقع الألكتروني.. والمصيبة أن كل هذه الأعمال المخجلة يقوم بها زملاء (إعلاميون) عراقيون. وأنا هنا لا أتحدث عن إعلام موزة والوهابية وحارث الضاري، إنما أتحدث عن إعلام مرئي محسوب (علينا) وعلى ( جماعة ربعنا ).. لذلك فإني أرجو مخلصاً من زملائنا الإعلاميين الوطنيين أن يحذروا وينتبهوا ويدركوا أن المشي وراء الأجندة السياسية والمالية (المشبوهة) سيحطم ذاتية الإعلامي أولاً، ومن ثم يسهم في تدمير العمومية الإعلامية، التي ستكون لاسمح الله بداية النهاية لهذا البلد الجميل .. وليعذرني زملائي وأحبتي من الإعلاميين العراقيين النجباء لو رجوتهم اليوم في أمر واحد لاغير، أطالبهم فيه بالإبتعاد عن ترجمة أمراض السياسيين وأطماعهم الشريرة الى فعل إعلامي يضر بالمخلصين والنزيهين والمبدعين الشرفاء، وأن يحذروا خدمة المال الحرام، لأنه نار تحرقهم وتحرق الجميع .. وأتمنى عليهم - ليس أكثر من التمني - أن يخصصوا مواهبهم لخدمة الوطن والناس فحسب، فلا خدمة أشرف من خدمة الوطن والناس والمهنة.. وقبل كل شيء أتمنى عليهم وعلى نفسي أن نحب بعضنا، ونخلص لبعضنا، وندعم بعضنا، لا أن نمزق هذا (البعض) ونحاربه بكل مواهبنا الإعلامية، إذ يكفي أننا محاربٌون من قوى الشر والظلام في المنطقة وفي العالم.. وأخيراً أتمنى على الجميع أن يتقي الله في كل كلمة يكتبها بحق الناس، وفي كل مفردة يطلقها عبر الشاشات، لأن للكلمة أكثر الأحيان فعل الرصاصة في الصدور، فلا تقتلوا الناس الأبرياء بكلماتكم النارية الظالمة.. فإتقوا الله .. ثم إتقوا الله .. ثم إتقوا الله .. لإن الله مع المتقين ..
|