القضاء يقرّب العراق من استرداد آلاف العقارات المنهوبة |
رفع قضاء العراق من آمال استعادة الحكومة السيطرة على آلاف العقارات والمباني والأراضي العامة التي سيطرت عليها أحزاب وقوى وشخصيات سياسية وجماعات مسلحة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، أذ أصدرت المحكمة الاتحادية في بغداد وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، أول من أمس، حكما يقضي ببطلان نص قانوني تم إقراره عام 2013، إبان حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وكانت تلك القوى استغلت القانون في الاستمرار باستفادتهم من تلك العقارات، وتتيح لدوائر البلدية بيعها وتمليكها لشاغليها بأسعار رمزية ومن دون عرضها في مزايدة علنية أو إشهارها من قبل الدولة للبيع. مبان مهمة داخل المنطقة الخضراء وأكدت المحكمة أنه "عليه أصبح النص القانوني الملغى محكوما بعدم دستوريته من القانون المذكور، وأن المحكمة الاتحادية العليا قررت إلغاءه لمخالفته أحكام دستور جمهورية العراق". وعلى الرغم من تصدّر ملف استعادة أملاك الدولة لبرنامج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي كشف عنه أول مرة مطلع أيار/ مايو عام 2020 أمام البرلمان، إلا أن مسؤولين عراقيين في بغداد، يؤكدون أن الملف يواجه صعوبات كبيرة تتمثل بسيطرة أحزاب وفصائل مسلحة وشخصيات سياسية على منازل ومبان مهمة خاصة تلك الواقعة داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد. وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، شهدت البلاد فوضى واسعة كان من بينها ظاهرة الاستيلاء على مبان ومنشآت حكومية وأخرى تابعة لأركان النظام العراقي السابق، وحاولت السلطات خلال السنوات الخمس الأخيرة استردادها ضمن مساعي تعظيم موارد الدولة غير النفطية، إلا أن ذلك لم يتحقق. مشروع قانون لاسترداد ممتلكات الدولة ومن شأن القرار القضائي أن يمنح رئيس الحكومة والأجهزة العدلية غطاء قانونيا لاستعادة تلك العقارات التي تقدر قيمتها في بغداد وحدها بعدة مليارات من الدولارات، تشمل قصورا ومباني وعمارات ومجمعات سكنية وتجارية وبساتين، يعود قسم منها لأسر وأعضاء نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ويبلغ مجموع عقارات ومباني وأملاك الدولة المسيطر عليها من قبل أحزاب وفصائل مسلحة وسياسيين أكثر من 31 ألف مبنى وعقار وفقا لآخر تصريح عن رئيس دائرة التحقيقات في هيئة الزاهة كريم الغزي، الذي قال إنه "تم تشكيل فريق يتولى جرد العقارات العائدة للدولة، المستغلة من قبل المسؤولين بصفة رسمية، وتلك التي استولت عليها الأحزاب أو الجمعيات أو الأفراد". وأوضح أن "العدد الكلي للعقارات التي تم التجاوز عليها في بغداد والمحافظات، عدا إقليم كردستان، بلغ (31378) عقاراً، متحدثا عن استرداد 861 منها فقط خلال الفترة الماضية. وتشمل هذه الممتلكات قصوراً وبساتين واستثمارات ومصانع ومنشآت كانت تابعة لأركان نظام صدام حسين السابق، أو أجهزة المخابرات وحزب البعث، والتصنيع العسكري، فضلاً عن مواقع عسكرية وأمنية وسياسية مختلفة، جرى الاستيلاء عليها من قبل زعامات سياسية وأحزاب مختلفة. لكن العقارات الأهم التي ما زالت تحت سيطرة أحزاب وشخصيات سياسية نافذة وزعماء فصائل هي تلك التي تقع داخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، وفي مناطق الحارثية والجادرية والمنصور والكرادة، أهم مناطق العاصمة العراقية. عقارات بمليارات الدولارات ويقول مسؤول عراقي في وزارة المالية التي جرى الاتفاق على توليها ملف عقارات الدولة المستولى عليها بأن قيمتها تساوي مليارات الدولارات ويدفعون بدل إيجار قيمته ألفا دولار بالسنة. ويضيف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه أن "هناك تحايلاً على الملف بأكمله، بعد أن ضغط الشارع بفعل الأزمة المالية الأخيرة التي شهدتها البلاد، دخلنا في عملية تحايل وفساد جديدة". ويوجد في حي "كرادة مريم"، الاسم الأصلي للمنطقة الخضراء، قصور عدة منها الرحاب والرشيد والفردوس والنهاية والسجدة والعباسي والجمهوري، وغيرها، فضلاً عن حدائق فسيحة على ضفاف نهر دجلة وشوارع كبيرة لا تتوفر في بقية الأحياء البغدادية، إضافة إلى نصب المقاتل العراقي وقوس النصر. ويقول المسؤول إن "بعض المسؤولين لا يقضون سوى أسبوع أو أقل في الشهر داخل قصور المنطقة الخضراء لكنهم يرفضون التخلي عنها، ويمكن استثمارها في دوائر خدمية للمواطنين أو جعلها مشاريع استثمارية تكون موردا ماليا مساعدا للعراق". وتابع أن من بين هؤلاء نوري المالكي (رئيس الحكومة العراقية 2006 حتى 2014)، وعادل عبد المهدي رئيس الحكومة السابق، وحيدر العبادي ومحمود المشهداني وباقر الزبيدي وسليم الجبوري، وإبراهيم الجعفري وآخرين مثل أعضاء برلمان وأحزاب ينتمون للمجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة بدر وحزب الدعوة والحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق).
وحول ذلك يقول عضو البرلمان السابق، عن تيار الحكمة، محمد اللكاش، إن "رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي سعى إلى إخراج بعض السياسيين ممن ليست لديهم مناصب حكومية، إلا أن محاولته باءت بالفشل واصطدمت بتأثيرات وضغوط سياسية، وهذا الملف مهم يستدعي الانتباه من قبل الحكومة، من أجل استثمار هذه المجمعات الكبيرة التي من الممكن أن تتحول إلى أماكن استثمارية تدر على الميزانية العراقية أموالاً كبيرة". الباحث في الشأن العراقي، أحمد الحمداني، قال إن "بعض المسؤولين السابقين وزعماء الأحزاب يظنون أن وجودهم في هذه القصور بغير وجه حق أمر طبيعي، وبعضهم لا يريد أن يكون بعيداً عن المؤسسات الحكومية المهمة في سبيل اطلاعه على جميع ما يجري في السياسة العراقية عن قرب، وأن عددا منهم يتخذ من المباني دار استراحة وترفيه نظراً لما في معظم القصور من أجنحة ترفيهية ومسابح وحدائق آمنة". 3 آلاف مبنى في بغداد وحدها مستولى عليه واعتبر أنه "لا يوجد أي مبرر لبقاء هؤلاء السياسيين في المجمعات الحكومية داخل المنطقة الخضراء، وأنهم بهذا الفعل يخرقون القانون الذي يقضي بخروجهم منها بعد نهاية خدماتهم". عضو لجنة النزاهة في مجلس محافظة بغداد الأسبق، محمد الساعدي، قال لـ"العربي الجديد"، إن أملاك الدولة في بغداد، وحدها كفيل بخلق فرص استثمارية كبيرة، أو توفير مورد مالي مهم يمكن استثماره في مجال إكمال المدارس المتعثرة أو مشاريع الطرق. ويضيف الساعدي، أن هناك ما لا يقل عن 3 آلاف مبنى في بغداد وحدها مستولى عليه بطرق ملتوية وغير صحيحة، والمعدل المتوسط لقيمة بدل الإيجار السنوي الحقيقية للواحد منها لا تقل عن 50 ألف دولار. |