حزب الدعوة بين التقية والمكاشفة |
يحكى عن النبي موسى عليه السلام انه مر على رجل بسيط في احدى القرى النائية يذكر الله سبحانه ويناجيه بحرقة وخشوع على سجيته مرددا امام نفسه كلمة واحدة لا غير وهي «يا زراق» باعتبارها احد اسماء الله الحسنى بدلا من «يا رزاق»، تعجب موسى من طريقة الرجل في العبادة، فراح يعلمه الاسلوب الصحيح لنطق الكلمة، وعندما تيقن انه قد تعلم وحفظ الكلمة عن ظهر قلب، تركه وذهب الى مناجاة الله وملاقاته كالعادة لتلقي الوحي منه، وعندما وقف امامه، سأله رب العزة عمن صادف في طريقه اليوم، فقص موسى عليه قصة الرجل المؤمن والطريقة التي كان يذكر فيها الله وكيف انه لم يتركه حتى علمه العبادة الصحيحة، فرد عليه الله جل شأنه ان الرجل الذي لقيته في الطريق قد توقف عن ذكر الله لانه نسي ما كان يقوله سابقا وما علمته لاحقا والتبس عليه الامر، فلا هو يستطيع ان يتذكر القديم ولا الجديد ضيع المشيتين.. ما ادري ما صحة هذه الحكاية التراثية التي تروى ولكنها تنطبق تماما على حزب الدعوة الحاكم في العراق، فهو تأسس في نهاية الخمسينات من القرن الماضي على اساس ديني وفق المذهب الجعفري على يد نخبة من رجال الدين والمفكرين وعلى رأسهم الكاتب «محمد باقر الصدر» الذي اعدم فيما بعد (1980)، خاض هذا الحزب صراعا سياسيا وعسكريا مريرا مع الانظمة الحاكمة التي تعاقبت على العراق وخاصة الحزب البعثي المباد الذي منع الشيعة من ممارسة طقوسهم الدينية من لطم وتطبير وزيارات لمراقد الائمة، وكانت جل اهداف حزب الدعوة انحصرت في اقامة الحكم الشيعي الجعفري في العراق ونشر التشيع في المنطقة والعالم الاسلامي، والحقيقة انه لا يوجد حزب شيعي في العراق يسعى الى نشر التشيع مثل حزب الدعوة، يكفي ان رجلا دينيا متطرفا مثل «مقتدى الصدر» صاحب «جيش المهدي» يتهم «المالكي» بمحاولة نشر التشيع في العراق، ولكن لكي يخفي هدفه الاساسي «المذهبي» ولا يتهم بالطائفية توارى خلف مصطلحات ومفاهيم قديمة مارسها حكام العراق بكثرة وكانت سببا اساسيا في شقاء العراقيين مثل «العروبة» و«الوطنية» لدغدغة مشاعر العراقيين واثارة عواطفهم، لانه يعرف ان العراقيين بطبعهم مفتونون بهذين المصطلحين وقد دفعوا ثمنا غاليا من حياتهم لتطبيقهما على ارض الواقع، ولكي يظهر بمظهر «الوطنية» الحقيقية التي لا تفرق بين الشيعي والسني، خاض حربا محدودة في البصرة مع «التيار الصدري» الشيعي وسماها «صولة الفرسان» وتخلى عن التحالف مع الاكراد ووقف بوجه مطالبهم الدستورية في الاراضي المتنازع عليها وعمد الى تشكيل قيادة عمليات «دجلة» بحجة الدفاع عن عروبة كركوك والعرب الساكنين في مدينة الـ«حويجة» التي تعتبر قلعة العروبة والعروبيين في العراق، وهدد بها الاكراد، ليبرز كقائد عروبي لا يشق له غبار، ولكن أزماته الكثيرة مع الاحزاب الوطنية وابعادها عن الحكم وملاحقة رموزها ووقوفه «الطائفي» السافر مع نظام الاسد الدموي ضد الشعب السوري وتنفيذه لاوامر حكام ايران في كل صغيرة وكبيرة، ومن ثم مهاجمته للمعتصمين في «الحويجة» وقتل العديد منهم والتنكيل بالجرحى والاسرى بصورة بشعة، قد اسقطت عن وجهه أقنعة «الوطنية» و«القومية» وكشفت عن حقيقته الطائفية، اراد ان يكون بطلا «وطنيا» فأخفق واراد ان يصبح فارسا «عروبيا» مثل سلفه «صدام» ولكن حربه ضد اهالي الـ«حويجة» و«الانبار» و«الموصل» حرمته من هذا اللقب الى الابد، فلا هو استطاع ان يطول هذا ولا استطاع ان يحصل على ذاك، وسقط الاثنان عن يده واصبح كصاحبنا اليهودي الذي أضاع الاول والاخير ووقف عاجزا عن التعبد!.. فلم يعد امام «المالكي» الا ان يكشف للعالم عن وجهه الطائفي بصراحة ومن غير اللف والدوران وممارسة «التقية» ويعلن عن جمهوريته الشيعية الاتحادية العراقية - الايرانية. |