حروب الردة... بقلم: الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي

 

 

 

 

 

ورد في القران الكريم كلمة يرتد .وتردون ... في مفردات القران صور عن الردة مرة تنسب  إلى الله ومرة إلى الناس  .. فما هي الردة .. ؟  معنى الردة { صرف الشيء بذاته } أي رددته وهو شبيه الرجع ،{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} هذه من الله  وقوله تعالى:{ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} هذا صرف الشيء بذاته يعني إرجاعه.هذه من الله تعالى في خلقه..
وحين تكون من الناس تعني الردة عن شيء مادي وفكري {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ}النساء59) في الخلافات وقضايا الزواج والطلاق .. الفكرية لها نصيب عند المسلمين زمن النبي {ص} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة54)  الارتداد هنا الرجوع عن الإسلام ..
                هذا البحث عن دور الإمام علي {ع} السياسي والعسكري بوجه الردة ، لان الردة تعتبر من المؤامرات الكبرى على الإسلام والمسلمين ، والمرتد لا يتباعد من الاصطفاف مع العدو ضد الأمة  وتعرض المسلمون لها أكثر مرة ،بعض العشائر أسلمت  باللسان دون الجوارح { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات14- فردة عندهم هذا شيء طبيعي ...
             أول من حاول الردة والتخلص من حكم النبي (ص)  هم قريش بعد فتح مكة  مباشرةً  ، لأنهم يرون بعين سياسية وليس دينية ، أهل مكة عندهم تعالي على كل العرب لعدة أسباب .. منها إن الكعبة في بلدتهم وهذه ميزة تميزهم على بقية المدن ،النقطة الثانية سوق عكاظ يقع في مكة ولا توجد مدينة لا ترسل وفودها وتجارتها إلى مكة المكرمة .. لا يمكن لأي مدينة أن تعترض قوافلهم باعتبار سوق عكاظ وإنهم يقعون جغرافيا وسط البلدان فيمكن أن يقطعوا أي طريق يشاءون لو تعرضت قوافلهم لسوء .. النقطة الأهم قضية أبرهة الحبشي حين أراد اقتحام المدينة المقدسة تدخلت السماء وانتصرت لأهل مكة وهم يراقبون من فوق الجبال .. هذا جعلهم يتصورون إن الطيور الأبابيل ستضرب جيش النبي {ص} يوم فتح مكة وحررها من الأصنام والأوهام ...
 لذلك أبناء مكة يرون أن النبي (ص) لم يدخلهم الإسلام لهدف أنساني وعبادي وأخلاقي ، إنما  أخضعهم بعنوان الإسلام  وفتح عاصمتهم عنوةً ،  للدخول في سلطته بالقوة وتهديد السلاح , فكانوا يتحينون الفرص ...
      أول المحاولات كانت الاستقلال عن المدينة بعد الفتح ، جاءوا  بقيادة سهيل بن عمرو وجماعة فاوضوا عتَّاب والي النبي (ص) على مكة ، بعدها بعث سهيل رسالة إلى النبي (ص) طالباً أن يعامل  قريشاً كدولة ،.. ولما لم يرد جوابا ...جاء إلى المدينة يطالب بذلك .. كانت ردة الفعل عنيفة جابههم النبي (ص) جواباً قاطعاً وهددهم بعلي (ع) : «فقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش ، حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا».أي على الإسلام ، وهو تصريح بأنهم لم يسلموا ! (الحاكم:2/125،وأبو داود:1/611). ولم يقف الأمر عند قريش فقط ..فقد اجتمعت ثقيف  وطالبوا أن يعاملهم النبي {ص} كدولة ولهم قياداتهم ، وليبقى اسم الدين الرسمي " الإسلام " فكان رد النبي (ص) ثقيفاً وقبائل أخرى هددهم  بعلي (ع) وأخبرهم أنه سيقاتل بعده على تأويل القرآن ، كما قاتل هو على تنزيله ....
        تطور الأمر إلى المجابهة الإعلامية لأنهم كانوا يثيرون ذلك في مجالسهم ..فأمر النبي (ص) علياً (ع) أن يرد على من يحمل فكرة الردة .. باعتبار انه قوة ضاربة بوجه المرتدين ..وهذا موقف تحمل الإمام علي {ع} منه كثيرا .  قال ابن عباس: « إن علياً كان يقول في حياة رسول الله (ص) في المسجد أمام الناس : إن الله عز وجل يقول: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى . والله لئن مات أو قتل لأقاتل على ما قاتل عليه حتى أموت . لا والله . إني لآخوه ووليه وابن عمه ووارثه ، فمن أحق به مني» ! ..كانت الردة محو الإسلام ! أو التعامل به كعنوان ,ويبقى الحكم بيد القرشيين ..بقيت النار تحت الرماد في حياة الرسول{ص} كقيادة ربانية إلى حين وفاته ...{المشكلة هؤلاء صحابة}..!!                
        وفعلا بمجرد موت النبي{ص} ارتد جماعة ووضعوا التيجان على رؤوسهم  باعتبارهم ملوك أسوة بالنبي محمد {ص} .. وهناك شريحة أخرى امتنعت عن دفع الزكاة إلى أبي بكر...
      ومن ادعى النبوة{طليحة بن خويلد الأسدي} ، وانظم له كثيرون , وهذا يؤيد إن هناك خطر حقيقي في المنظومة الاجتماعية الإسلامية ، وشخص آخر معروف اسمه {الأسود العنسي باليمن} . ومسيلمة بن حبيب الحنفي باليمامة . وسجاح بنت الحارث التميمية ، التي  تزوجت بمسيلمة . وكان الأشعث بن قيس زعيم الخوارج  مؤذنها » .   هنا بدأ خطر حقيقي على الإسلام .. لأنه ردة من الداخل ...   
      يقول بعض الكتاب المحققين في التاريخ الإسلامي : « أهل الردة ضربان: منهم قوم كفروا بعد إسلامهم ، مثل مسيلمة ، وطليحة ، والعنسي وأصحابهم ، هؤلاء مرتدين عن الملة بلا خلاف ..القسم  الثاني: قوم منعوا الزكاة مع بقائهم  على الإسلام ، فسموا كلهم أهل الردة ، وهؤلاء ليسوا مرتدين ، بعض علماء المذاهب السنية يقولون ذلك ،ولكن كان امتناعهم سياسي ولهم موقف ضد الخليفة  وليس عقائدي ».والدولة تعاملت معهم باعتبار مخالفتها مخالفة الدين ، هذه نقطة مختلف عليها عند المسلمين ..!!
.           يذكر الزمخشري في الكشافْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ :  كانت في زمن النبي {ص} مجموعات معادية كثيرة  ، ثلاثة أخطرهم  الأسود العنسي ، هو كاهن نصراني تنبأ باليمن واستولى عليها وأخرج عامل رسول الله (ص) ، فكتب رسول الله إلى معاذ بن جبل وسادات اليمن ، فأهلكه الله على يدي فيروز الديلمي وهو من الفرس قتله ، فسر رسول الله (ص)  بقتله ، وقبض(ص) في اليوم الثاني وفارق الحياة .... إذن هو في حياة النبي{ص} ..
          جماعة مسيلمة ، كتب إلى النبي (ص) يشاركه بالنبوة. أما طليحة بن خويلد  فقد سانده جماعة من بني أسد .. .وبقية من ارتد في عهد أبي بكر:اغلبهم أشكل التاريخ على الخليفة مثل مالك بن نويرة وجماعته كانوا من المسلمين ولكنهم لم يبايعوا أبا بكر ولم يقبلوا بطريقة بيعة السقيفة وهذا نوع من المعارضة السياسية وليس ارتداد عن الدين .. فجاء كتاب التاريخ وكتبوا ان جميع من تخلف عن أبي بكر مرتد عن الإسلام ..!!          وهذا القول غير دقيق ..
                 مالك بن نويره صحابي جليل شهد له النبي (ص) بالجنة ." سبب قتله "   جاء مالك إلى المدينة فتفاجأ عندما رأى أبا بكر على في موقع الخلافة  فاعترض عليه وسأله: أين عليٌّ الذي أوصانا النبي (ص)  بطاعته من بعده ؟ لأن مالك سال النبي{ص} لمن نرجع يا رسول الله بعدك .. فقال له {ص} إلى علي بن أبي طالب فانه خليفتي ووصيي ..فقال له أبو بكر: أنك كنت غائباً لا تعرف ماذا حدث ، فرد عليه مالك واتهمه بالتأمر على كلام رسول الله .. فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يخرجه من المسجد فتجمع عليه الرجال وأخرجوه من المسجد ، فباتت هذه القضية في القلوب..ووجهت له تهمة الردة .وحين أرسل أبو بكر خالداً لقتال طليحة  بن خويلد ، أمره أن يقتل مالك بن نويرة حتى لا يوسع المعارضة  ويحشد معه بني تميم ،  فذهب خالد واحتال على مالك وقتله غدراً ، وأخذ زوجته !  وقد اعترض عليه عدد من الصحابة  كما انتقده عمر ، وطالب أبا بكر أن يقتص منه لأنه قتل مسلماً ، وعدا على زوجته !.ولكن أبو بكر قال كلمته المشهور ، اجتهد فاخطأ ..!!!
  ـــــــــــ> أماكن أخرى ظهرت فيها حركات ردة سياسية  بين " {قبائل كندة في حضرموت} " حاليا عمان " ، حين توفي النبي (ص) دعاهم والي حضرموت إلى بيعة أبي بكر: « فقال له زعيم كنده "أخبرني لم نَحَّيْتُم عنها أهل بيته (ص) وهم أحق الناس بها ..؟  فقال له زياد بن لبيد:والي أبي بكر ، إن المهاجرين والأنصار أَنْظَرُ لأنفسهم منك .فقال له رجل منهم لا والله ! ما أزلتموها عن أهلها إلا حسداً منكم ، فارحل عنا أيها الرجل فإنك تدعو إلى غير رضا الله ورسوله ، وتم أخراج والي الحكومة من حضرموت ..! هنا حركة كندة سياسية ضد أبي بكر بسبب رفضهم لخلافته ، "ولم تكن ردة عن الإسلام" ،  ولكن كندة انحرفت مطالبها حين دخل معهم الأشعث بن قيس فجعلها ردة ومفاوضة مع أبي بكر لأخذ امتيازات ، وقد أخذ ما يريد !..  قال ابن حبان في الثقات:2/181: « فلما قدم الأشعث على أبى بكر قال أبو بكر: فما تأمرني أن أصنع فيك ؟ قال الأشعث: تمن على وتفكني من الحديد وتزوجني أختك ، فإني قد رجعت وأسلمت . قال أبو بكر: قد فعلت ، فزوجه أخته (أم) فروة بنت أبي قحافة ». لينهي معارضته لحكمه ...    
إذن رفع شعار الردة غير دقيق وبسببه ارتكبت مجازر ضد الخصوم . وهذا أسس ردة فعل ضد الحكومة الجديدة  وبعض القبائل تصوروا أن نبوة قريش انتهت بوفاة النبي (ص) ، وأن الفرصة جاءتهم ليعلنوا نبوتهم ، ليحققوا مكاسب قبلية ، كما حققت قريش من نبوتها بزعمهم !.. " لقد كانت الردة وادعاء النبوة فورة طمع من قبائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم" ، فهي تطمع أن تفرض سيطرتها بادعاء النبوة ، كما قال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الآيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .
                   حقيقة هذه المواقف والدماء التي أريقت خلقت أجواء متشنجة جبهة كبيرة مغلوب على أمرها ، تنظر إلى الوضع الجديد من زاوية والى مصلحة الإسلام من ناحية أخرى ، وعلى رأس هؤلاء أمير المؤمنين{ع}... فكانت حروب الردة كما يصطلحون عليها منحصرة في جبهتين:
الأولى : ..جبهة حضرموت ضد قبائل كندة ومآرب, وكان أمير العسكر المرسل من قبل الخليفة لقتالهم  هو عكرمة بن أبي جهل....
الثانية :.. جبهة أطراف المدينة ضد قبائل عبس وذبيان وبني كنانة وغيرها بقيادة خالد بن الوليد...هؤلاء الرجال الذين قتلوا بسيوف المسلمين بقيادة عكرمة وخالد لم يرتدوا ولم يكونوا منكري وجوب الزكاة, بل هم مسلمون وكانوا يقولون: (أطعنا رسول الله ما دام بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر) وبعضهم كان يقول لممثل الخليفة: إنك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد, وتارة يقولون: انظروا في شأن عترة النبي {ص}  فما كان من أمرهم وهم الأولى في تسنم خلافة الرسول فأقصيتموهم؟ ...
ولذلك  أسدل الستار على اخطر مرحلة بعد وفاة النبي {ص} وعوملت بقسوة وقتل ودم ، وجاء المؤرخون  ليمدحوا القتلة ويجعلوا منهم مجاهدين في سبيل الله .. واذكر لك نصا ورد عن المقتولين .. يقول ابن خلدون في تاريخه  عن خالد ودوره في حروب الردة ج2 ص71: ((أوقع خالد ببني أسد وغطفان وكانت هوازن وسليم وعامر ينتظرون أمرهم، فجاءوا إلى خالد وأسلموا وقبل منهم الإسلام، إلا من عدا على أحد من المسلمين أيام الردة فإنه تتبعهم فأحرق وقمط ورضخ بالحجارة ورمى من رؤوس الجبال))، ويعني أنه أحرق المناوئين، وربط أيديهم وأرجلهم جميعا، ورضخ بالحجارة حتى الموت، ورمى خصومه من قمم الجبال، فأي قسوة ووحشية هذه حتى لو كان أولئك كفارا أو مرتدين عن الإسلام!...
           ويستحي الطبري هنا أن يقول خالد بن الوليد ومعه ربيعة الحضرمي قتلوا أهل محا وأحياء أخرى! فيقول : وبلغ كندة وهم في الحصار ما لقي سائر قومهم. فقالوا: الموت خير مما أنتم فيه، جزوا نواصيكم حتى كأنكم قوم قد وهبتم لله أنفسكم فأنعم عليكم فبؤتم بنعمه، لعله أن ينصركم على هؤلاء الظلمة. فجزوا نواصيهم وتعاقدوا وتواثقوا ألا يفر بعضهم عن بعض)).وطال أمد الحصار فنزل الأشعث سرا فأخذ الأمان لنفسه وبعض خاصته، ودلَّ القوم على منافذ الحصن... فلما فتح الباب اقتحمه المسلمون فلم يدعوا فيه مقاتلا إلا قتلوه ضربوا أعناقهم صبرا، وأحصى ألف امرأة ممن في النجير والخندق وسبى نساءهم إلى المدينة} ..
هذه المجزرة القاتل فيها الإسلام الحكومي  .. فجاء الكُتاب وضعوا روايات تقول إن الذين ارتدوا عن الإسلام قاتلهم أبو بكر وبقية الصحابة .. وأسدل الستار عن جرائم .. لا بد أن يأتي من يقول الحقيقة ويكشفها للتاريخ ..
          ولما أرادوا أن يعطوا الشرعية لتلك المعارك ، قالوا إن علي بن أبي طالب{ع} شارك في بعضها .. وشارك في زواج إحدى الأسيرات من سبي ثقيف" خوله الثقفية " أم محمد بن الحنفية ..وان لم يشارك فان التاريخ يؤكد زواجه من خوله سبية ثقيف .... لننظر إلى الروايات ومدى صحتها في الواقع ....
          قضية إدخال علي بن أبي طالب {ع} في حروب الردة تحتاج إلى مراجعة لان وراءها خفايا كثيرة ، وراءها جرائم ضد الإنسانية وقعت للمسلمين المعارضين ...هؤلاء أرادوا إلقاء  تبعية قتل المسلمين  على أبي الحسن {ع} وهو الموتور من العرب وقريش يوم بدر واحد والخندق ، وهو ابن عم النبي ووارثه ، فمن أحق به منه.؟ وهو أصل وخوف القبائل منه . وعقدة قريش وثأرها عند النبي (ص) ! « قال ابن عمر لعلي (ع) : كيف تحبك قريش وقد قتلت في يوم بدر سبعين سيداً من ساداتهم ، تشرب أنوفهم الماء قبل شفاهم ».  والأنف الطويل عند العرب صفة جمال وتعالي ..وهذا معروف نتائجه واضحة يوم عاشوراء ..
  وكان يقول عن نفسه  :ما تركتْ بدرٌ لنا مذيقا **** ولا لنا من خلفنا طريقا  . المذق تقال لمن لا يحبه احد مثل شراب اللبن اختلط بالماء فيكون غير مرغوب به  . قال ابن أبي الحديد :"  ولا ألوم العرب ، وقريش  في بغضها وانحرافها عنه ، فإنه وتَرَها وسَفَك دماءها ،  ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم . وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ،" ..!!
 " مهمة "  لهذه الأسباب أصبح  كل دم أراقه رسول الله (ص) بسيف علي (ع) وبسيف غيره ،  عَصَبَتْ تلك الدماء بعلي (ع) وحده ! لأنه لم يكن في المسلمين من يستحق أن تُعصب به تلك الدماء, هذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بالدماء ولو بعد حين ، فإن مات القاتل أو تعذرت عليهم مطالبته ، طالبت بها أمثل الناس من أهله .ولذلك قرنت كل هذه الدماء بعلي بن أبي طالب {ع} .. كان أول حجة لهم بغض علي (ع) لقتله أبطالهم في احد ، فثاروا لعزله عن الخلافة حتى لو كلفهم ذلك مخالفة نبيهم {ص} وإبعاد اله عن أي منصب ،
         حين يقول ابن أبي الحديد ان قريش محقة،  ما السبب وما حقهم .. لننظر له يوم احد لان المعركة أفرزت تراجعا في مسؤولية المسلمين ،  حدثت تطورات لما ترك المسلمون مواقعهم ، ورأى خالد ذلك، خرج من الكمين مع عكرمة بن أبي جهل في مائتي فارس، فقتل عبد الله بن جبير ومن معه، وهجم من الخلف على المسلمين، فبادر بقتلهم ورفعت راية المشركين، ونادى منادي قتل محمد {ص} فاضطرب المسلمون ، وقتل حمزة ويمان والد حذيفة، فترك الصحابة رسول الله {ص} خلف  ظهورهم، وولوا مدبرين... أليس هذه أفضل فرصة لقريش..فجاء دور أمير المؤمنين{ع}  لتعديل كفة الحرب.. حين وقف وقفةَ لم يسجل التاريخ مثلها ، بالصبر والمواساة .. صار سيفه يطرق الجماجم ويشق الرؤوس يحمي الإسلام كله .. تحمل مسؤولية جميع الرسالات فكان جديرا أن تكرمه السماء بهتاف خالد " لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار" حتى أصيب بتسعين جرحاً في وجهه وصدره ويده ورجله،قال جبرائيل لرسول الله كأنه يسأله ، هذه مواساة وغيرة علي لك، فقال {ص} انه مني وأنا منه، فقال جبرائيل{ع}  وأنا منكما. ...وجاء عبد الله بن قميئة إلى النبي {ص} يريد قتله فذب مصعب بن عمير ـ صاحب راية المسلمين ـ عن الرسول فقطعت يده اليمنى، فأخذ الراية بشماله فقطعت، فلما استشهد كشف وجه النبي {ص} ولم يبقى أمامه مدافع فرماه عبد الله بن قميئة  بحجر من قريب فوقع في وجهه ، فكسر انفه ورباعيته وشجه في وجهه، فوقف يمسح الدم عن وجهه ولحيته مخافة أن يسقط على الأرض وهو يقول: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وهو يدعوهم إلى الله». ثم رماه عتبة بن أبي وقاص اخو سعد بحجر فكسر أسنانه، وضرب بعضهم النبي بالسيف فلم يؤثر فيه لأنه كان لا بساً درعين..فأصابه سبعون ضربة بالسيف .. فكان يقول: اللهم اغفر لقومي فأنهم لا يعلمون. ... ووقف علي بوجه الجيش كله يذود عن رسول الله {ص} وعن الإسلام  .. حتى رجع المسلمون .. وقد امتلأت الأرض بقتلى الطرفين .. وكان نصيب عليِ {ع} ألكاس الأوفر ...   هذا جزء من تاريخ علي{ع} العسكري .. لذلك من يريد أن يكتب عن شجاعة مقاتل لا بد أن تكون له سابقه .. فأشركوه بحروب الردة ..
 تقول القصة المفتعلة .{ انضمت بطون من طي ، وخزاعة ، وغيرها في أعداد كثيرة وعسكروا في حائل وقرب المدينة وأرسل طليحة ابن أخيه لغزو المدينة !.. وعرف  التوقيت فاختار فترة تنحية الإمام (ع) فتخيل أنه قد اعتزل النظام وانتهت أسطورته ! وإرسال أبي بكر جيش أسامة إلى مؤتة لحرب الروم وكان شرطهم الأول في المباحثات إسقاط الزكاة عنهم ، فإن لم يقبل هاجموا المدينة ، وأعلنوا نبوة طليحة وإلغاء نبوة محمد (ص) !هذه الحادثة بعد ستين يوماً من وفاة النبي (ص) ، وكان لها وقع شديد على النظام لجديد ، وفعلا طرح رأي يقبل  شروط القبائل، ليكفوا عن مهاجمة المدينة! يعني إسقاط الزكاة ..!! وحين استشار أبو بكر مساعديه قرروا جميعا أن يسقط عنهم الزكاة ..!  ولكن أبو بكر كان أكثر إصرارا على تنفيذ أمر الله وأشجع منهم .. لأنه يعرف إن بقية الشروط ستأتي خاصة أنهم اعتبروا طليحة نبيا ..هذا الموقف يحتاج رجولة وموقف ، لذا قرر أبو بكر أن يصالح الإمام علي بن أبي طالب .{ع}   ويمد أليه يده ، لأن العرب لا تخاف إلا منه !..  وأن يشاوره في أمر المرتدين ويستعين به عليهم ، وهو يعرف أن رأيه المتوافق مع القران , فشاور علياً (ع) وأخذ برأيه ، وخالف عمر ومستشاريه  وهنا قام علي بالدور وأصبح جنديا من جنود أبي بكر .. ومن المواقف للإمام {ع} يحذر الخليفة ومستشاريه لان القضية خطيرة فيها نبوة جديدة ودين جديد ... وقال إذا لم تخرجوا سيحاربهم بأولاده وعشيرته ومن تبعه من المسلمين ففرح ابو بكر بذلك ومد الجسور معه لأنه لا يمكن الاستغناء عن علي{ص} وهو أم الصبي وليس مستأجر.
        وبرزت مشكلة أخرى قبل هذه الحادثة , هي إرسال جيش أسامة بن زيد إلى الروم ..  يذكرها كنز العمال . يقول:.. كان عمر يتخوف من هزيمة المسلمين إذا هاجمهم طليحة ، فأشار على أبي بكر أن يقبل بمطلبهم الأول وهو إسقاط الزكاة عنهم ، فقال له: « تألَّف الناس وأرفق بهم ، فإنهم بمنزلة الوحش . فقال له: رجوت نصرك فجئتني بخذلانك؟ جَبَّارٌ في الجاهلية خَوَّارٌ في الإسلام !  هيهات هيهات ، مضى النبي (ص) وانقطع الوحي . والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي ، وإن منعوني عقالاً ». (كنز العمال:6/527).  ..
    ولم ينف عمر ما اتهمه به أبو بكر من الخوف والخوَر ! لكن البخاري رواها مخففةً فقال في صحيحة:8/140: «لما توفي رسول الله (ص) قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله (ص) : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله؟ فقال:والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال . والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ، لقاتلتهم على منعه ».
هذه الروايات تبين ان القضية ليست ردة ، وإنما اقتصادية سياسية ، بدليل ان عمر يرضى لهم بالامتناع عن دفع الزكاة ، ودفع الزكاة ليست ردة بدليل الآن اغلب المسلمين لا يؤدون الزكاة فهل يعني إنهم ارتدوا.. ؟؟ بينما المرتد عن الإسلام واضح ذلك اليوم والى يومنا هذا ..!!
                     واجتمع أبو بكر بعلي {ع}  وعرض الأمر عليه , فكان جوابه الذي رواه البخاري للوفد بعد أن شاور الصحابة وقرر أن يأخذ برأي علي (ع) : «وتشاوروا في أهل الردة فاستقر رأي أبي بكر على القتال». (تفسير القرطبي:16/37).  وروى كنز العمال (6/531): «استشار عليا في أهل الردة فقال: إن الله جمع الصلاة والزكاة ، ولا أرى أن تفرق ، { يعني هذا قول علي {ع} فعند ذلك قال أبو بكر: لو منعوني عقالاً لقاتلتهم عليه » ... هذه الروايات في الطبري والبخاري وذخائر العقبى وكنز العمال وغيرها ...{ هنا يجب أن نفرق بين حرب الردة ودافعي الزكاة } لان عليا {ع} وقف مع المسلمين بوجه المرتدين وليس مانعي الزكاة ..!!
 وروى البلاذري في أنساب الأشراف:ج1 « عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ..قال: لما ارتدت العرب جاء عثمان إلى عليّ فقال: يا ابن عم ، إنه لا يخرج أحد إلى هذا العدو وأنت لم تبايع،هذا الأمر بعد أربعة أشهر من وفاة الرسول {ص} " وحين علم الإمام بخطر الردة على المسلمين ، وإنهم تجهزوا للهجوم على المدينة ، قام ومشى إلى المسجد .. والناس ينظرون أليه ، فاستقبله أبو بكر واعتنقه .. هنا يضيف المؤرخون كلمة "فبايعه" ولكن قدومه لم يكن لبيعة أو صلح بل لأمر اكبر من ذلك هو الدفاع عن عاصمة المسلمين .. لان عليا {ع} يعرف المرتدين ويعرف قوتهم .. ومن جانب آخر يخشى أن يهرب الذين تكرر هروبهم في الحروب ، وحين تداس المدينة ومسجد رسول الله بأقدام المرتدين ينتهي الإسلام تماما ،وهذا موقف لا مثيل له بتاريخ الإنسانية .!!! 
                       ولكن ما حدث في بعض المعارك{ خارج المدينة } حرب سياسية وليست عقائدية .. وهذه النقطة التي يجب أن تستوضح ، لان الذين قتلوهم قبائل قالوا لا اله إلا الله محمد رسول الله ، رغم ذلك لهم موقف بعد وفاة النبي {ص} وهذا الموقف كلفهم كثيرا .. وحين أرادوا إضفاء الشرعية وسعوا الأمر وادخلوا عليا في قصة الردة وقتال المرتدين .. وجاءت المفاجأة لأبي بكر من علي (ع) نفسه ! فقد أحس الإمام (ع) بالخطر على الإسلام ، وهو أم الصبي وليس أماً مستأجرة ، لذلك نهض في تلك الأحداث وأدارها وخاضها، حتى اطمأن الإسلام وتنهنه .
     قال (ع) في رسالة له لواليه في مصر ، كما يذكرها  نهج البلاغة:ج3  " إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها: أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمداً (ص) نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى (ص) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته ،  فما راعني إلا انثيال الناس على فلان (أبي بكر) يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمد (ص) ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله ، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم " .. ومقصوده (ع) : حركة طليحة في حائل ، وحركة مسيلمة في اليمامة ، وحركة الأسود العنسي  في اليمن .وأخطرهم هجوم طليحة بن خويلد على المدينة .. هذا الذي غير موقف الإمام {ع} وتجدد موقفه السياسي من الخلفاء ..
        ـــــــــــ> توضيح موقف الإمام في الروايات :..
                   من المؤكد إن الإمام لم يحمل سيفه ويخرج خارج المدينة لقتال أهل الردة, لان هذا لو حدث وقاتلهم  يعني الجميع ذلك الوقت مرتدين .. في حين يحدد لنا رسول الله {ص} تلك الصورة من الحروب ويبين غاياتهم ، يقول :{ص} " تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين " لذلك وقف التاريخ منهم موقفا خجولا* بينما يقول {ص} عن هذه الحروب " لا تنقلبوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" ...!!!!
 
موقف الإمام عليّ ع من حروب الردّة؟   "
السؤال : ما هو موقف الإمام {ع}  في تاريخ حروب الردّة ؟ وما هو موقفه أيضاً من حروب الفتوحات الإسلامية ؟ التي حدثت في تلك الفترة ..؟؟ وأيّ المصادر التاريخية يمكن الرجوع إليها لفهم تلك المرحلة بشكل واضح ...؟؟    الجواب على هذه الأسئلة ...
                            بعد التحقيق الدقيق أنّ حروب الردّة غالباً كانت ضد المسلمين المخلصين الذين امتنعوا من قبول الخلفاء ببيعة السقيفة ؛ لأنّهم سمعوا تصريحات النبيّ {ص} بخلافة عليّ {ع} وبعضهم  بايعوه في غدير خمّ ، فلمّا سمعوا بالسقيفة أعلنوا سخطهم ، وعدم قبولهم للحكومة الجديدة ، وامتنعوا من أداء الزكاة ، فاتّهمتهم السلطة بالارتداد ، وأرسلوا الجيوش لمحاربتهم ، وإجبارهم على قبول خلافتهم ....
مضافاً : إلى أنّ هناك فائدة أخرى ، وهي إبعاد الصحابة ، خصوصاً الممتنعين من أهل المدينة ليخلوا لهم الجوّ السياسي ، وقضية التخلص من العدو السياسي مهم جدا لتثبيت الحكم الذي اشتغل عليه جماعة منذ زمن النبي{ص} فهناك بعد فترة ، ارتفعت أصوات المعارضين ، وظهرت آراء بميلهم إلى الخليفة الشرعي الذي نصبه الرسول {ص} في غدير خمّ ، وكان كلّ يوم يأتيهم بعض الصحابة و يعترض عليهم ، ويحتجّ بحديث الغدير وأمثاله ، فرأوا إنّ خير طريقة هو إرسالهم إلى القتال بعنوان حروب الردّة ، وعنوان الجهاد .
وأمّا أمير المؤمنين {ع} فقد كان جليس بيته ، ولا يتدخّل في شؤونهم ، نعم كان يعظهم وينصحهم ويذكّرهم بفضائله ومناقبه ، وتصريحات النبيّ {ص} بشأن إمامته و خلافته ، وكان يحتجّ عليهم بالأدلّة الدامغة لكي يثبت للعالم إنّه إنّما صبر عن مطالبة حقّه ولم يقاتلهم { حرصاً على مصير الإسلام}  ، وحفظاً لكيان الأمة ؛ إذ لو قاتلهم وقضى عليهم لم يبق من المسلمين إلاّ نفر يسير ، يموت الإسلام بموتهم ، ولذلك ورد في روايات عن الأئمة المعصومين{ع} إنّ عليّاً {ع} ترك قتالهم لآية في كتاب الله ، وهي قوله{ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فكانت ودائع مؤمنين في أصلاب القوم ، ترك عليّ {ع} قتالهم ؛ لأجل تلك الودائع .
هكذا كان  الإمام{ع} حريصاً على مصالح المسلمين ، فحينما كان الخلفاء يشاورونه في القضايا السياسية ، أو يسألونه عن الأحكام الإلهية ، والمعارف كان يبيّن لهم كلّ ما يحتاجون إليه ، ويرشدهم إلى الصواب حتّى قال عمر بن الخطّاب : « لو لا عليّ لهلك عمر »  ، أو « لاجعلني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن » ، وليس ذلك لأجل قبوله خلافتهم ، بل لحرصه على كيان الإسلام ، ومصالح المسلمين ، ولذا نراه كثيراً ما يخطط لهم ويرشدهم في الخفاء ، فكانوا يعملون بإرشاداته ، ويظهرون للناس أنّ ذلك من تدابيرهم وسياستهم ، فهو ربيب القران والمقاتل على تأويله حين حاول بعض المتنفذين حرف مسار القران لأهوائهم ومصالحهم ..
             ــــ>  يقول  جابر الجعفي عن الباقر{ع} :  أنّه أتى يهودي أمير المؤمنين {ع}  في منصرفه عن وقعة نهروان ، فسأله عن "المواطن السبعة"التي يمتحن الله به أنبيائه وأوليائه فقط؟ فقال {ع} « وأمّا الرابعة  فإنّ القائم بعد صاحبه ويعني عمر   كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها ، فيصدرها عن أمري ويسألني  في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي ، لايعلمه أحد ، ولا يعلمه أصحابي ، ولا يناظرني غيره ... »