"الساكتون دهرا.. الناطقون كفرا"... بقلم المفكر الإسلامي: السيد عصام احميدان الحسني

 

 

 

 



قيل "إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب" ، وإني اليوم أتساءل من يقف وراء إصدار هذا النوع من الأقوال والأمثال ؟ هم حتما ينتمون لهذه الأمة ، يعيشون بيننا ، ويمشون بيننا ، قد نكون نراهم يوميا ، لكن .. لا نسمعهم ، لأن شعارهم الخالد "الصمت من ذهب" .. إنهم الساكتون والزاهدون  في فضة الكلام طلبا لذهب الصمت .

لكم تمنينا أن يبقى الساكتون في سلبيتهم ، فمن لا نطمع في أن يقف موقف الحق والانتصار له ، نرجو ألا يكون في موقع إضعاف الحق وتقوية الباطل ، من باب تحييد ما يمكن تحييده من ساحة الصراع بين الحق والباطل ..لكن للأسف ، بعض هؤلاء بعد أن يغرق في صمته وسكوته يخرج في زمن الفتن حاملا اللواء ، وشاهرا سيف العداء , ناشرا بين المسلمين البغضاء ، مكفرا تارة ومفسقا أخرى..

إننا نعيش اليوم في عالم حافل بالتحديات وتزدحم فيه الأفكار والتيارات ، ويفرض التطور العلمي والمعلوماتي العديد من المواقف الفقهية الجريئة والمستجيبة لتطلعات المسلمين ، فمقولة "الإسلام صالح لكل زمان ومكان" صحيحة ولكن تحتاج في تفعيلها إلى فقهاء مجتهدين ومواكبين لتطورات العصر ، وباحثين ومنقبين عن موقف الشرع الحكيم في كل نازلة مستجدة ، هؤلاء فقط "أمناء الرسل" أما أولئك الذين فتشوا في الكتب الصفراء عن كل حديث سقيم ، ونصبوا أنفسهم قضاة يحكمون بإيمان هذا وكفر ذاك ، وكأن رب العزة قد سلمهم مفاتيح الجنان ، وبأمرهم تأتمر النيران ،وضيقوا من رحمة الله الواسعة ، وفتنوا الناس بأحاديث الفرق والملل ، أولئك الذين إن تكلم علماء الأرض في القانون والاقتصاد والسياسة وعلم النفس ..سكتوا دهرا ، وإن لاحت  راية الفتنة وبدت طلائعها نطقوا كفرا.

نقول لأولئك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله "قل خيرا أو اصمت" ، إن عجزتم على أن تقدموا لنا اجتهادات فقهية في مختلف المجالات الحياتية المعاصرة ، فارحمونا بصمتكم ، فقد تمنينا أن يكون عجزكم شاملا ، ليس فقط عن الاجتهاد بل أيضا أن يكون عجزكم عن صناعة الفتن وتفريق الأمة الواحدة ، وإراقة دماء المسلمين بالتكفير .

كثيرة هي الفضائيات التي لا تحترم عقولنا ولا تخجل من نفسها وهي تفتح المجال أمام مشايخ الفتنة الذين لا نسمع لهم ذكر في ساحة الاجتهاد ودعم المقاومة والإصلاح الاجتماعي ، لكن تجدهم دوما حاضرين في جنازة الأمة الممزقة ، في ساحات التكفير والعنف اللفظي ، ممعنين في استكمال ما شرع فيه عدو هذه الأمة من تشتيت شملنا وتضييع وحدة كلمتنا ومواقفنا .

كلما جلست أمام بعض الفضائيات أستمع لبعض أشباه العلماء ، إلا وأعيد النظر في موقفي السابق حيث كنت أنتقد مقولة "إن كان الكلام من فضة ، فالصمت من ذهب" ، فاليوم أقول : حتما كل الذهب في صمت هؤلاء المشايخ ، ومن أطلق هذه المقولة أكيد أنه اكتوى بنار هؤلاء ، كما نكتوي بنارهم نحن اليوم .

بسبب هؤلاء سأصبح أكبر منظر لفلسفة السكوت ، وبسبب هؤلاء أحببت الصمت وآثرته على الكلام ، فمشاكلنا وأزماتنا لا تحتمل المزيد من التأزيم ، وإكراهات هذه الأمة واستحقاقاتها أكثر من أن تعد وتحصى ، فليرحمنا تجار الفتنة ، أولئك : الساكتون دهرا ..الناطقون كفرا .