النقد والتسقيط

 

هُناك حالة من الخلط بين مفهوم النقد الآيجابي الذي يهدف للإصلاح وبين التسقيط او النقد السلبي الذي يرمي الى النيل من شخصية ألآخر وإستهداف موقعة الإجتماعي، فهناك فرق بين انتقاد شخص بذاته، وبين انتقاد موقعه وبإعتبار صفته , فالأولى هي تسقيط والثانية هي نقد مشروع، هذا الخلط ناتج مرة من جهل وأخرى من إراده تسعى لدمج المفاهيم للتغطية على اخطائها أو تجاوزاتها.
في العراق وقبل عام 2003 حيث كان النظام الشمولي يُسيطر حتى على تردد انفاس الشعب العراقي،وكان ذكر النظام بغير المدح والإطراء، كفيل بإيصال المتحدث الى السجن أو حتى حبل المشنقة والتهمة التآمر او التجسس أو ألخيانة هذا الآمر اصبح عرف بين الناس، عندما كان احد ينتقد النظام ولو بين افراد اسرته يأتيه الردع سريعا( شلك بهل الحجي)، وبالتقادم أصبح أو كاد نقد النظام حالة شاذة والمدح هو الحالة ألطبيعية وأينما ذكر النظام في مجلس عام كان المدح أو شتم مناوئيه هو الحالة ألسائدة، وغدت ثقافة عامة في الوسط ألاجتماعي، والأمثلة على ذلك اكثر من آن تُحصى.
وبعد إنهيار النظام وإنطلاق العملية السياسية وتشكيل الحكومات المتتالية، إستصحب الكثيرون ذاك النهج، وخاصة مقربي الحاكم وأعضاء حزبه، ودخل حتى الى جسد الأحزاب نفسها وغدى نقد أي حزب أو رمزه إعلان حالة عداء ضده، وصلت الى حد التصفيات ألجسدية، الآمر الذي جعل الأخطاء والتجاوزات تستفحل في داخل الاحزاب والأكيد وصلت الى جسد الدولة ومؤسساتها، ومارس منافقي الأمس ومحرري تقارير(كسر الركبة) في مؤسسات الحاكم، وداخل الأحزاب نفس الدور، الآمر الذي منح المسئول والحاكم حالة من الراحة لإشباع خلل أو نقص في داخله، فلم نشهد مسئول أو رئيس حزب أو حاكم نقلت إليه شكوى أو حالة نقد ضده أو ضد مؤسسته، استدعى قائلها ليبرر له أو ليستفهم سبب النقد، ويعمل على إصلاحه او إقناع المنتقد،إلاماندر، ونعزوا ذلك إلى حالة الخلط التي اشرنا اليها في المقدمة بين النقد والتسقيط وعدم معرفة الفاصل الكبير بينهما، الذي يصل لحد التنافر، فالنقد بناء أما التسقيط أو النقد السلبي فهو هدم، فتناول الشخص والشخصية هو التسقيط في ابسط مفاهيمة أما تناول الفعل والقول فهو النقد الذي يمكن ان يؤدي الى البناء لو اُحسن متابعته والإستفادة منه.
وهناك تناقض عحيب نلحظة اليوم في المؤسسات الحاكمة ففي الوقت الذي تَضع وسائل للشكوى وتُنشأ مؤسسات تحت مسميات ( شكاوى المواطنين)، تتطير من النقد وتعده إستهداف وتسقيط وتنفيذ لإجندة مُعادية، وعندما تُمارس هي التسقيط ضد الآخر المُعارض او المناؤي تعده نوع من البناء أو الدفاع عن مؤسساتها ألحاكمة، هذا التناقض يُخبر عن الخلل وسبب لما يمر به البلد من تردي في كل المجالات.
وبما أن العراق اليوم في حالة بناء لذا فهو في اشد الحاجة للنقد والتقويم،وإلا فتراكم الفشل والسكوت عن الخلل، سيجعل الشعب بحاجة الى دماء لتغيير الحال، بدل أن يغير الآن بالكلام والخيار الواضح المدروس...