إيران تتحرك من جديد لتفكيك التحالف الثلااثي بين الصدر والكرد

 

بغداد- العراقتايمز: في ظل الأزمة السياسية المستعصية في العراق منذ ما يزيد عن خمسة أشهر، يبرز حراك سياسي جديد يقوده السفير الإيراني الأسبق في العراق حسن دنائي فر بين أربيل وبغداد، منذ الثلاثاء الماضي، يهدف، وفقاً لمصادر سياسية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى تحقيق خرق في الأزمة، غير أنه يستهدف في الواقع تفكيك التحالف الثلاثي بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، المعروف بتحالف "إنقاذ وطن".

 

ودخل العراق منذ أكثر من أسبوعين في حالة جمود سياسي كامل، بعد إعلان الصدر وقف مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة مع خصومه السياسيين في تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم قوى وكتلاً سياسية توصف عادة بأنها حليفة لإيران.

وقدّم الصدر، في 31 مارس/ آذار الماضي، مهلة 40 يوماً لقوى "الإطار التنسيقي" للعمل على تشكيل حكومة جديدة من دون مشاركة الكتلة الصدرية. لكن الإطار أصدر، الثلاثاء الماضي، بياناً قال فيه إنه يرفض أسلوب المهل، ويؤكد موقفه السابق في ما يتعلق بتشكيل الحكومة.

 

حراك دنائي فر بين أربيل وبغداد

وقالت مصادر سياسية كردية في أربيل، لـ"العراقتايمز"، إن السفير الإيراني السابق في بغداد حسن دنائي فر بات "مسؤول الملف العراقي" من قِبل طهران، وعلى هذا الأساس يُجري منذ الثلاثاء الماضي حراكاً بين أربيل وبغداد لبحث الأزمة السياسية الحالية.

 

والتقى دنائي فر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني خلال زيارته إلى أربيل، التي استمرت ليومين، وجرى بحث ملف قصف أربيل أيضاً خلال اللقاءات، وفقاً لعضو بارز في الحزب الحاكم بالإقليم (الحزب الديمقراطي الكردستاني).

وأكد عضو الحزب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العراقتايمز"، أن المسؤول الإيراني يُحمّل القوى السياسية السنّية والكردية مسؤولية الخلافات بين الطرفين الشيعيين، بسبب تقويتها لطرف على آخر، في إشارة إلى الصدر، الذي دخل في تحالف واحد مع تلك الأطراف أطلق عليه اسم تحالف "إنقاذ وطن".

حراك إيراني لتفكيك التحالف الثلاثي

ولم يكشف المصدر ذاته الأوراق التي يحملها الإيرانيون في حراكهم الجديد في العراق، لكن نائباً في بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد" مشترطا عدم ذكر اسمه، قال إن الحراك "يهدف إلى تفكيك التحالف الثلاثي بين الصدر وشركائه الأكراد والسنّة، لدفع الأول إلى القبول بالجلوس للتفاوض مع الإطار التنسيقي حول تشكيل الحكومة".

 

ولفت إلى أن لقاءات ستجري بين المبعوث الإيراني وأطراف سياسية أخرى في بغداد خلال اليومين المقبلين، وأضاف أن "الإيرانيين لا يحملون أي مبادرة. ويبدو أن شروط الإطار التنسيقي هي ذاتها رؤية إيران، المتمثلة بحكومة توافقية، وأن يبقى حق تشكيل الحكومة بالكتلة الكبرى التي تتألف من القوى السياسية الشيعية حصراً".

 

ويُصر الصدر، الذي حلت كتلته بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بفارق كبير عن أقرب منافسيه من القوى السياسية الشيعية الأخرى، على مشروع "حكومة الأغلبية الوطنية"، رافضاً العودة إلى حكومات التوافق السياسي التي شهدها العراق سبع مرات في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

 

في المقابل، يواصل تحالف "الإطار التنسيقي" مطالبته بحكومة توافقية لا تقصي أياً من القوى الرئيسية، مع وضع شرط أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة من خلال الكتلة الكبرى، التي يرون أنها يجب أن تتشكل من القوى السياسية الشيعية حصراً باعتبارها المكون الأكبر في البلاد، وهو ما يخالف خطوة الصدر الأخيرة في تحالفه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة الذي يقدّم نفسه ممثّلاً سياسياً عن العرب السنّة في العراق..

"الديمقراطي" متمسك بالتحالف

وعلّق القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام على الحراك الإيراني الجديد بأن حزبه "رفض ضغوطاً سابقة مورست عليه من جهات خارجية وداخلية"، وقال لـ"العربي الجديد"، إن موقف أربيل من التحالف الثلاثي ثابت، ولا يوجد احتمال، ولو بسيط، للانسحاب منه.

وتابع: "لسنا جزءاً من الخلاف السياسي الشيعي ـ الشيعي، بل عملنا خلال الفترة الماضية على حل هذا الخلاف، كوننا نحمل صفة المحايد، ونملك علاقات مع الطرفين"، وشدد على أن تحالف الحزب مع الصدر والقوى العربية السياسية السنّية، "لا يمثل تهديداً لأمن أي دولة جارة للعراق، بل هو يسعى إلى تشكيل حكومة قوية تحفظ سيادة العراق وهيبته، وتمنع أن يكون العراق منطلقاً للاعتداء على أي دولة جارة أو أي دولة في العالم".

 

في المقابل، قال عضو "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي إنه "ربما نشهد في الأيام المقبلة انسحابات فردية أو جماعية من تحالف إنقاذ وطن، لأسباب كثيرة"، وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الاعتماد على الوساطات الخارجية، لكن بالنهاية سيكون هناك توافق سياسي داخلي ينهي الأزمة".

 

وتابع: "التيار الصدري ما زال يرفض أي حوار مع قوى الإطار التنسيقي، وهذا هو السبب الرئيسي في الانسداد السياسي الحالي، ونعتقد أن هناك قوى ستتجه نحونا بالنهاية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني".

 

ولا يُعتبر الحراك الإيراني الحالي الأول من نوعه، إذ قادت شخصيات إيرانية، خلال الأشهر الخمسة الماضية، عدة وساطات من دون أن يحالفها النجاح بذلك، كان أبرزها جولة قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني في منتصف فبراير/ شباط الماضي، استمرت نحو أسبوعين، بين النجف وبغداد وأربيل.

 

لكن رفض الصدر حال دون نجاح تلك الوساطات، التي اعتُبرت أنها انحياز إيراني لقوى "الإطار التنسيقي"، التي تضم أجنحة سياسية لفصائل مسلحة مدعومة من قبلها بشكل مباشر، أبرزها منظمة "بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"جند الإمام". وتمتلك هذه الفصائل واجهات سياسية دخلت بها الانتخابات الأخيرة، لكنها لم تحقق سوى نتائج متواضعة، إذ حصل تحالف "الفتح" الذي يجمع كل تلك القوى على 17 مقعداً نيابياً فقط.

 

وعرقلت قوى "الإطار التنسيقي" انعقاد ثلاث جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب الرئيس العراقي، إذ إن الانتهاء من خطوة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي أوجب الدستور انتخابه بأغلبية الثلثين في البرلمان، تعني تمكّن الصدر من تشكيل الحكومة بأريحية وفقاً لمشروعه، إذ ينص الدستور على أن تشكيل الحكومة يوجب أغلبية النصف +1، وهو ما يملكه الصدر، إذ يبلغ عدد نواب تحالفه 180 من أصل 329 نائباً، هي مجمل مقاعد البرلمان.

 

حكومة الأغلبية غير ملائمة

في سياق متصل، قال السفير الإيراني لدى بغداد إيرج مسجدي، الأربعاء الماضي، إن "الوقت لم يحن حتى الآن لتشكيل حكومة أغلبية في العراق"، متحدثاً، لمحطة تلفزيون محلية كردية تبث من إقليم كردستان، عن أن "حكومة الأغلبية لا تلائم الوضع السياسي الحالي".

 

وأضاف مسجدي، الذي قررت طهران أخيراً استبداله بالقائد في "فيلق القدس" محمد كاظم آل صادق، أن "الدعوات للأغلبية الوطنية محل تقدير، لكنها لن تكون ناجحة إلا في البلدان المؤسساتية والديمقراطية".

 

وأضاف أن بلاده تدعم أي حكومة تنبثق عن نتائج الانتخابات، لكنها ترى أن التوافق هو الشكل الأمثل للوضع العراقي الحالي، كونه يحقق لجميع المكونات الشعور بالمشاركة في الحكومة، واعتبر أن "حكومة التوافق ستكون خياراً أفضل من حكومة الأغلبية، وهذا هو مقترحي فقط، ولا أجبر أحداً عليه".

 

تدخل إيراني بالقرار العراقي

واعتبر عضو التيار المدني، الناشط السياسي أحمد حقي، تصريحات مسجدي دليلاً واضحاً على مدى التدخل الإيراني بالقرار العراقي، متسائلاً، في حديث مع "العربي الجديد"، عن سبب عدم تنديد أو اعتراض أي من القوى السياسية على تصريحات المسؤول الإيراني باعتبارها تدخلاً في الشأن العراقي.

ورأى حقي أن "العودة لخانة التوافقات الطائفية، بنسخ مكررة عن حكومات 2010 و2014 و2018، يعني أن انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 لن تكون سوى مجرد قطرة أمام التظاهرات التي ستتفجر في الشوارع مستقبلاً ضد الفشل الحكومي المتكرر، مع اتساع رقعة الفقر والبطالة والجوع وانعدام الخدمات".

 

من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي أن هدف عودة الحراك الإيراني داخل العراق هو "الحفاظ على نفوذ القوى الحليفة لإيران بالحكومة المقبلة". وأضاف الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من بغداد، أن "وجود قيادات إيرانية في بغداد مرة أخرى للتدخل بملف الحكومة كان أمراً متوقعاً، وهذا التدخل قد يحمل تأثيراً أكبر على مواقف بعض الأطراف العراقية التي هي خارج طيف قوى الإطار التنسيقي".

 

وتوقع أن "تتجه إيران للمحاولة مرة أخرى مع مقتدى الصدر بهدف الضغط عليه لتغيير مواقفه، لذلك ستتجه إلى حلفائه الآخرين في هذا الأمر للضغط عليهم وتفكيك تحالفهم مع الصدر، ما قد يجبره على التوجه نحو الإطار التنسيقي"، واعتبر أنه "في حال نجاح هذا السيناريو، فمن المؤكد أن الصدر سيتوجه بمفرده نحو المعارضة، بدل الذهاب نحو حكومة توافقية تجمع جميع القوى السياسية العراقية".