ثمانون عاما على حرق الكتب في برلين

 

لم يكن ذلك الحريق سوي التمهيد ‏ فأينما حرق المرء الكتب، فإنه سيحرق البشر في النهاية هاينرش هاينه -1-‏ في عام 1933، جاء أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا. واحالها هو وحزبه الاشتراكي الوطني إلى ‏ديكتاتورية. القرار اصبح بيدالنازيين وهم الذين يقرون القوانين النافذة وخاصة القوانين التي تخدمهم . ‏كان الناس يخشون قول ما يعتقدون به ,خوفا من الغرامة اوالسجن و تجنبا لطرح رأي يختلف عن ‏التفكير النازيي. لكن الكتاب لا يستطيعون غير ذلك يكتبون الكتب للآخرين , يعبرون فيها عن آرائهم ‏وأفكارهم عبر الرواية والقصة والشعر والفلسفة والاقتصاد , في كل نواحي المعرفة لتصل القارئ . لم ‏تستطع النازية تحمل مثل هذه الكتب المحرضة ووسمتها بكلمة سيئة " بالروح الغير الالمانية ". ‏فجمع الطلاب الكتب من كل انحاء المانيا وبجدول زمني في المدن الجامعية الكبرى استعدادا لحرقها ‏وترهيب الناس بقوة النازية وعدم التسامح مع الآراء الأخرى .‏ بعد مرور اربعة اشهرعلى وصول هتلر الى السلطة وتحديدا في العاشرمن ايار/ مايو ‏‏1933حمل طلاب وأساتذة جامعيون وقادة نازيون عشرات الآلاف من الكتب للكتاب ‏‏"المنبوذين" ورموها في النار التي اشعلت مسبقا في ميدان"الأوبرا" ‏‎ ‎ والذي يسمى حاليا" بيبل بلاتس" في وسط برلين ,هكذا بدأ التدمير المنهجي للوثائق والكتب التي تختلف مع الإيديولوجية النازية ,.شمل كتابات معادية للقومية وكتب انصار حركات السلام ‏وفلاسفة الاشتراكية والشيوعية, والكتاب اليهود, وطال الامر ايضا الكتاب والعلماء الذين انتقدوا ‏توجهات وافكار النازية واعتبرها الحزب الوطني الاشتراكي انشطة واعمال تخربية ‏ ‏ الا انه لم يتعرض للكنيسة .‏ نفذ اتحاد الطلاب الوطني الاشتراكي الألماني مجزرة مروعة ضد الكتب بعد هروب اغلب ‏الكتاب والفنانين من جحيم النازية, فاخذ على عاتقه في برلين والمدن الجامعية الألمانيةالاخرى ‏محاربة" الروح الغير الالمانية " , وقاد هجمته ضد كل من يعارض الفكر القومي النازي وجمع ‏اكثر من 25000 كتابا .‏ استولى اتحاد الطلاب على كميات هائلة من الكتب بعد ان نهب اغلب المكتبات الحكومية ‏والاهلية شملت 94 كاتبا ، مثل كارل ماركس، كورت توشولسكي، ألفريد كير وبرتولد بريشت.‏ بعد مسيرة المشاعل خلال العاصمة وضع الطلاب الكتب في ساحة الأوبرا في برلين التي ‏احتشد فيها اكثر من 70000 متفرج لمشاهدة محرقة الكتب من بينهم الكاتب إريك كاستنر، ‏الذي شهد حرق كتبه , توارى "غوبلز" وزير الدعاية الالمانية خلف المشهد هو وقوات الالس ‏اس ليجنب السلطة عار الجريمة المروعة , ولكنه لم يطق صبرا فبرز محدقا في جموع الطلاب, ‏والقى خطبة نارية في في ساحة الاوبرا مقابل بناية الجامعة نقتبس منها:- ‏ فالثورة الالمانية اعادة هيبة الالمان ‏‎,‎لقد حان الوقت لوضع نهاية لعصر الفكر اليهودي المتطرف ‏‎ ‎‏(‏ وفتحت الطريق امامهم واسعة . ان هذه الثورة لم تات من الاعلى بل اندلعت من رحم الشعب الالماني ‏ ولهذا و بمعنى الكلمة،انها تنفيذ لإرادة الشعب. في السنوات الاربع عشرة الماضية ملئت المكتبات ‏بالقاذورات والاوساخ اليهودية والكتابات المنحطة, عاش زملاؤكم عار الصمت على اهانة جمهورية نوفمبر وتركوا الامر لكم لخلاصهم . الثورات الحقيقية لا تتوقف ابد. يجب ان لا تبقى منطقة بعيدة ‏عن ‏‎ ‎تأثير ثورتنا وكما تثور الناس يشتعل لهيب الثورة في كل المجالات. ‏ ‏ انه لفعل جيد في ساعات منتصف الليل هذه ان نطعم لهيب النار الشيطان وروح شر الماضي .‏ هنا في هذا المكان تطأطا روح جمهورية نوفمبر راسها الى الأرض, ولكن من الرماد هنا سينطلق ‏طائر العنقاء منتصرا . ستنطلق الروح الجديدة التي نحملها ونعززها , ونحن من يحقق فعلها في ‏نهاية المطاف . ليذهب القديم الى جحيم اللهب وسوف يرتفع الجديد مرة اخرى من نيران قلوبنا, اينما ‏نقف معا واينما نذهب معا نريد ان نتعهد ونلزم انفسنا بالدفاع عن مستقبل الرايخ." استندت خطبته ‏على مقولات هتلر في اعوام سابقة مادحا فيها اتحاد الطلاب النازي "‏‎ ‎ ‎"‎‏"لا شيء يعطيني المزيد من الثقة في صحة فكرتنا،الاالانتصارات التى حققتها القوىالنازية في ‏الجامعة أغسطس/اب 1930،ادولف هتلر ‏ نداءات النار ‏ تصاعدت صيحات الطلاب تختلط بدخان المشاعل وشعارات غوبلز وقف الطلاب صفا دائريا حول ‏النار يرمون الكتب في وسطها , كلا يردد ندائه ويذكر اسم الكاتب يتبعهم بقية الطلبة برمي الكتب ‏المشار اليها ‏ ‎ ‎الطالب الاول ‏‎●‎ ضد الصراع الطبقي والمادية ومن اجل مجتمع شعبي وعيش مثالي , اطعم النار كتب كارل ماركس ‏وكاوتسكي.‏ ‏● الطالب الثاني ‏ ضد الانحطاط والانحلال الاخلاقي ومن اجل الخصوبة والتقاليد للعائلة والدولة, اطعم النار كتب ‏هاينرش مان , ارنست كلاسير وارش كوستنر.‏ ‎ ‎ا الطالب الثالث ‏‎●‎ ‎.‎‏ ضد لؤم الخلق والغدر السياسي ومن اجل التفاني للشعب والدولة , لتلتهم النار كتب هاينرش فريدهلم ‏فورستر.‏ الطالب الرابع‎ ●‎ ضد المبالغة في ذات الروح الغريزية ومن اجل نبل الروح البشرية, اسلم النار كتب سيجموند فرويد ‏ الطالب الخامس‎●‎ ضد تزوير تاريخنا والحط من رموزه من اجل تقديس ماضينا, نطعم النار كتب اميل لودفغ وفيرنر ‏هيغمان.‏ ‎ ‎‏ الطالب السادس ‏‎●‎ ‎ ‎ضد الصحافة الاوطنية ذات الطابع الديمقراطي اليهودي من اجل المشاركة في المسؤلة الواعية في ‏اعمال بناء الامة , لتلتهم النار كتب تيودر فولف وجورج بيرنهارد.‏ الطالب السابع ‏‎●‎ ضد الخيانة الادبية لجنود الحرب العالمية , من اجل تربية الناس بروح الحقيقة , اسلم النار كتب ‏اريش ماريا ريمارك.‏ ‎ ‎‏ الطالب الثامن ‏‎●‎ ضد الضرر المتعاظم في اللغة لالمانية ومن اجل رعاية القيم الثمينة لشعبنا, نحرق كتب الفريد كير ‏‎ ‎ الطالب التاسع ‏‎●‎ ضد الوقاحة والغطرسة من اجل احترام الروح الخالدة للشعب الالماني, لتبتلع النار كتب تخولسكي و ‏اوزيتزكي ‏ ‏"وقفت أمام الجامعة بين الطلاب - زهرة الأمة - يرتدون الزي الرسمي لقوات الس اس رايت كتبنا ‏‎ ‎‏ ‏‎ ‎تطيرو ترتفع مع السنة اللهب رايت رأس التمثال مكسورة لماكنوس هرشفيلد معلقة على عمود ‏طويل، يتمايل عاليا في حشد صامت، ذهابا وإيابا طقس المقبرة يلف المدينة كان مثير للاشمئزاز"كتب ‏اريش كوستنر عن مشاهداته حريق الكتب ‏‎. ‎‏ ‏ نص اريش كوستنر شاهد بعينه حرق كتبه في ساحة الاوبرا في برلين , لحن النص عام 1972 الملحن هولغر منسر وغناه ‏عام 1976‏‎ هل تعرف الأرض التي تزهر المدافع فيها؟ عليك ان تتعرف عليه. ‏‎- ‎هل أنت لا تعرفها؟‎ ‎ هناك" في تلك الارض يقف الوكلاء النواب في المكاتب بفخر ووقاحة ‏‎ ‎ كما لو كانت ثكناتهم. ‏‎ ‎ في تلك الارض, تنمو تحت ربطة العنق ازرار عريف.‏ و خوذات غير مرئية, يرتديها المرء هناك .‏‎ ‎ للمرء هناك وجوه ولكن ليس رؤوس..‏ ومن يذهب الى الفراش لابد ان يتناسل .‏ في تلك الارض عندما يريد الرئيس شيئا ما ‏ ‏- وانها وظيفته ان يريد شيئا-‏ يقف العقل متصلبا اولا وصامتا ثانيا‎ ‎ والعيون تمنحه الحق . ‏‎.‎ يولد الاطفال في تلك الارض باشواك صغير. ‏ وبرؤوس مدببة ‏ هناك لا يولد الانسان مدنيا. ‏ في تلك الارض يكافأ من يغلق فمه . ‏ هل تعرف البلاد التي ممكن ان تفيض فيها السعادة؟؟ ‏ يمكن ان تكون سعيدة وتنتج الفرح!!‏‎ ‎ في تلك الارض الحقول والفحم والصلب والحجر, ‏ هناك الاجتهاد والطاقة واشياء جميلة اخرى, ‏ حتى الروح واللطف والوداعة توجد هناك ,‏ ‏ والبطولة الحقيقة بين الحين والاخر ايضا, ‏ ‏ ولكن ليس عند الكل هناك يكمن طفل في كل ثاني رجل , يريد ان يلعب لعبة رصاص الجنود‎ ‎ في تلك الارض لا تهرم الحرية , بل تبقى خضراء. ‏‎ ‎ كل ما يبنيه المرء سيكون ثكنة . ‏ هل تعرف الأرض التي تزهر المدافع فيها؟؟ عليك ان تتعرف عليه .‏‎- ‎هل أنت لا تعرفها؟ ‎.‎حرائق الكتب خلال الحقبة النازية وبعد نهاية الرايخ الثالث. لم تتكرر في ألمانيا الا من بعض ‏المسيحيين المتطرفين, على سبيل المثال نظم اتحاد شباب الكاثوليكي في عام 1957، بدعم من ‏الكنيسة البروتستانتية حفلة حرق الكتب التي اعتبروها "' قمامة و أوساخ الأدب"' في ساحة كاتدرائية ‏فرانكفورت. . أحرقت في دوسلدورف الراين كتب غونتر غراس وإريك كاستنر في خريف عام ‏‏1965. اما في بلدان الثيوقراطية ولحد هذا اليوم تحرق الكتب التي لا يسمح بها الملالي ارباب الدين ‏السياسي ,إضافة إلى ذلك ترمى في النار دمى من القش أو صور كبيرة لمؤلفي هذه الكتب ولكن هولاء ‏السدنة يتجارون بكتب تفسير الاحلام ومضاجعة المراءة على الطريقة الاسلامية وكتب الفتاوى التي ‏ماانزل الله بها من سلطان , وبنفس الوقت يهدرون دم كل كاتب يقترب من حواف مدنهم المدججة ‏بالوهم و تاريخنا العربي البعيد والقريب يضج بضحايا الفكر ,فهم على هدى نازية هتلر وفاشية ‏موسليني ‏ ‏ الكنيسة الانجيلية تعترف اليوم بضلوعها في الجريمة عبر صمتها وتعاونها مع النازية وهي ‏تحاول ان تسترد ماء وجهها وتفعل شيئا ماء حيث اكدت في العديد من المواقف " ان فعل ‏احراق الكتب مازال موجودا ومتمثلا في الايديولوجات اليمينية وهي تبذل ما‎ ‎ ‏ في وسعها للتعلم من الماضي وتنمع تكرار هذ الجريمة وما سمح بحدوثها والتي ما كانت يجب ‏ان تحدث".‏ ‏ ‏