انقذوا الكورد الفيليين من "اللاجنسية"

 

السياسات القمعية الممنهجة التي تعرض لها الكورد الفيليون زمن النظام البائد امتدت اثارها الى يومنا هذا ولم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في تطويقها وما انتجته من ضرر مادي ومعنوي في الوقت المفترض لانصافهم ورفع الحيف عنهم بعد زوال النظام الديكتاتوري المسبب لكل الالام والمصائب التي حاقت بهم لكن الواقع يجعلنا نصف الاضطهاد لهم مزدوج سياسي / قانوني.

ولكون السياسي شواهده لازالت ماثلة في الذاكرة والضمير وهو افصح من اي ذكر او ابانه سنكتفي بالجانب التشريعي منه ومنظومة القوانين العراقية السابقة واللاحقة فرغم وجود عدد من التشريعات لانصاف عدد كبير من الشرائح العراقية المضطهدة ومنهم الكورد الفيليون بعد 2003 الا انها لم ترتقي لمستوى الاضطهاد الذي عانوا منه اما لعدم تكامل المنظومة التشريعية وما احتوته من ثغرات ونواقص برزت لاحقا في التطبيقات القضائية اوبسبب الروتين الاداري ومشاكله المعروفة من فساد ومركزية واهمال.

كان من الاجدر للحكومة الانصات الى راي قوى وشخصيات وطنية وديمقراطية نادت منذ سقوط النظام بان يتم التعويض و استرداد الحقوق لضحايا النظام السابق بقرار سياسي ما دام التعسف والمصادرة تم بقرار سياسي بدل ترحيل المسؤولية من عاتق الادارة الى القضاء في قضايا واضحة ليتم وضع الكورد الفيليون تحت طائلة المدد الزمنية الطويلة والغير مبررة لاسترداد حقوقهم التي لم تكلف النظام السابق غير جرة قلم لمصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة وتسفيرهم خارج الوطن او اعدامهم (باعتبار ان ثمن الرصاص يتحمله ذوي الشهداء) والاستفادة من وثائق الدولة التي سيطرت عليها الاحزاب والشخصيات في اثبات الضرر بدل التصفيات السياسية ورغم ان للأدارة مساوئها ايضا لكن اليس بالامكان تشكيل هيئة ادراية احترافية مهنية يقع على عاتقها تنفيذ هذه المهام او تشكيل مؤسسة تتعامل بالحد الادنى من التعقيد لانصافهم وتوفير الادارة الكفء لهذه المهمة ؟ كان بالامكان ذلك لو استبعد داء المحاصصة من تلويث هكذا مؤسسة او تعاملت الحكومة بمهنية مع هذا الملف ,اما مسألة الحقوق غير الثابتة بالامكان مراجعة القضاء العراقي للبت فيها وفق قوانين الدولة العراقية وباتباع وسائل الاثبات المعروفة مع مراعات المدد الزمنية وتحديد حق اقصى للحالات المعروضة امام القضاء واسباغ صفة "القضاء المستعجل" عليها بتشريع.

للأنصاف هناك عدة مواد قانونية في قانون الاحوال الشخصية والقانون المدني العراقي وقانون الاثبات تعالج بعض حالات الكورد الفيلية لكن القاعدة القانونية يجب ان تلحق بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وان تكون ناظمة لهذه الظروف والتطورات والوضع المأساوي الذي تعرض له الفيليون جعل هذه القوانين قاصرة على عن مسايرة ظروفهم واسترداد حقوقهم والاحاطة بمظالمهم, فانتجت قوانين الدولة العراقية لهم معاناة اخرى بطول فترات التقاضي او نواقص وثغرات قانونية لا تلم باوضاعهم فكانت اضافة غير مبررة لجبال الاسى التي تتمشى معهم وتنتقل كما يصف الجواهري الكبير حاله.

وبما ان المفاصل القانونية التي يعانيها الفيليون كثيرة الا ان اهمها هو اللاجنسية او انعدام الجنسية وهو احد اهم موضوعات القانون الدولي الخاص ويعانيه شريحة كبيرة منهم وعانى منه بالتحديد الجيل الثاني من المسفرين العراقيين في ايران خاصة, حيث لم يجنس منهم الا القليل وبقي معظمهم بلا جنسية عراقية او ايرانية كانت.

وهو وضع شاذ وغير طبيعي تتضافر من اجله حاليا جهود الفقه القانوني ومعاهدات ومواثيق حقوق الانسان لمعالجته فقد ورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الوثيقة العالمية التي استقرت في ضمير الجماعة البشرية والتي اصبحت ملزمة للاسرة الدولية الصادر عام 1948 في المادة 15 منه بانه "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا او انكار حقه في تغييرها" والمادة السادسة من الميثاق التي تنص بانه "من حق كل انسان التمتع بالشخصية القانونية" ولا يخفى ما يواجهه عديمو الجنسية من صعوبات ومشاكل في حياتهم العملية تؤدي الى حرمانهم من جملة من الحقوق كالتملك والحرية في التنقل والتعليم والتامين الصحي والضمان الاجتماعي والتقاعد اضافة الى المعاملة التعسفية وحتى مسالة الزواج والاقتران وتعد اتفاقية وضع الاشخاص عديمي الجنسية عام 1954 واتفاقية عام 1961 بشان حالات خفض الاشخاص عديمي الجنسية من اهم الصكوك الدولية في معالجة هذه الحالة النشاز .والمؤسف ان العراق ليس طرفا في الاتفاقيتين حاله حال معظم دول الشرق الاوسط باستثناء ليبيا وتونس بالرغم من وجود هذه الشريحة الواسعة من ابنائه بلا جنسية!

ورغم ان قانون الجنسية العراقي رقم 26 لسنة 2006 جاء مستوفيا للمعايير الدولية بشأن حالات منح الجنسية في بعض جوانبه فقد نص في المادة الثالثة منه بان "العراقي من ولد لاب عراقي او لام عراقية" فالقانون يمنح الجنسية لمواطنة الاب او الام ولم تشترط المادة المذكورة الاقليم "مكان الدولة" لمنحها لكن كما نوهنا من قبل بان للحياة العملية صعوبات اخرى وللواقع صورة تشطب الكثير من اليات التنفيذ وتعيق استرداد الكورد الفيليين لحقوقهم فالجيل الثاني والمولودين في ايران وبلدان اخرى زمن النظام السابق الذي نكل بذويهم جعل من المحال عليهم مراجعة السفارات العراقية في الخارج ولعدم وجودها اصلا في ايران لاستصدار الوثائق الثبوتية الشخصية لهم وبما ان اعمارهم تجاوزت الاعمار المقررة في الحجج القضائية الصادرة من محاكم الاحوال الشخصية "حجج الولادة" والتي تثبت ولادتهم الامر الذي يعني حقهم في اقامة دعاوى اثبات النسب لهم امام نفس المحاكم وما تتطلبه من حضور المعنيين لفحصهم امام اللجان الطبية المختصة لتقدير الاعمار ولكون اغلبهم خارج الوطن من دون اي وثيقة سفر وصعوبة عودته الى ارض الوطن يضعهم وغيرها من المعوقات اشدها وفاة الابوين كلاهما امام استمرارية هذا الوضع الشاذ بحقهم وبقاء انتهاك حقهم الانساني المشروع على حاله.

ولمعالجة هذه الظاهرة الشاذة التي تتنافى مع كل مواثيق حقوق الانسان نقترح ان تقوم السفارات العراقية خارج الوطن وايران على وجه التحديد باستصدار الوثائق الثبوتية الشخصية لعديمي الجنسية من الكورد الفيليين وغيرهم من العراقيين وان تاخذ البعثة الدبلوماسية على عاتقها فتح قنوات الأتصال مع المؤسسات الرسمية الايرانية لاثبات ولادتهم والتحقق من تسجيل الابوين في سجلات الاحوال المدنية العراقية ومنحهم الجنسية العراقية استثناءا وفي بلدان اقامتهم لتخلي الدولة مسؤوليتها تجاه مواطنيها اضافة الى قيام الناشطين ومنظمات حقوق الانسان بالضغط على الحكومة والبرلمان للمصادقة على الاتفاقيات المختصة وهي اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع الاشخاص عديمي الجنسية واتفاقية 1961 بشان خفض حالات عديمي الجنسية لتضافر الجهد الدولي واحاطة الموضوع بالضمانات الدولية انصافا لهذه الشريحة التي تعرضت لاضطهاد مزدوج سياسي/قانوني واضطهاد قومي/طائفي والتي ساهمت في نضالات الشعب من اجل الحرية والديمقراطية وانصافا لسكان العراق الاصليين في شرق دجلة.