سراق.. لكنهم يرونها "عورة" |
لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم طالبات الجامعة يمارسن الجنس الحرام " ثم نظر في الوجوه التي لا تدري ماذا يريد الشيخ من حديثة ليقول لهم:" أنا عندي معلومات أن الطالبة يغرر بها في الجامعة فتفقد بكارتها " الشيخ بكامل ثقته بنفسه يفتي بأن الاختلاط في الجامعات مصيبة حطت على رأس مجتمعنا المؤمن الصابر.. سيتوهم البعض أن هذا الشيخ يلقي خطبته وسط ازقة قندهار، لكن التسجيل الصوري يؤكد أنها محاضرة دينية لأحد شيوخنا الأعزاء في محافظة ذي قار.. ولم يكن الشيخ الذي يرفع شعار " المرأة عورة " بعيدا عن تنظيرات حكومتنا الباسلة التي اكتشفت أن مشهدا لممثلة ألمانية هو السبب في كل الخراب الذي نعيش فيه.. وأن دائرة السينما والمسرح، وليس وزارة الدفاع هي التي تقف وراء فضيحة أجهزة " قتل المواطنين " التي سميت سهوا اجهزة كشف المتفجرات، وأن شفيق المهدي هو من مهد لصفقة الأسلحة الفاسدة.. ولهذا كان لابد أن ينشغل رئيس الوزراء بهذه القضية المصيرية، ويرسل أحد وكلائه المعتمدين وبيده عصا ليعيد الأمور إلى نصابها.. أي بؤس هذا الذي نعيشه؟!
كان المثقفون يعتقدون أن التغيير سيحررهم من صولات "القائد الضرورة " الإيمانية، وأن الفيلم الهابط الذي كان يشرف على إنتاجه الحاج طلفاح سيتوقف.. ولكن بعد سنوات من التغيير وجدت الناس أنها تعيش في ظل مسؤولين ورجال دين يتصورون أن الاختلاط في الجامعات ومؤسسات الدولة يعني الابتذال والفجور.. وحين تتحدث عن حرية الرأي والملبس يقولون لك: تريدون مجتمعا فاجرا.. الجميع يريد إعادة تربيتك لتصبح مواطنا صالحا وقانعا بشكل النظام السياسي الذي يفصلونه لك من خرافات مهمتها تربية الشعب وضبط أخلاقه..لا تتكلم عن حرية ولا عن عشق الحياة.. لا توجد امرأة خارج دائرة الخطيئة.. لاعلاقات عمل ولا زمالة بين الطلاب..الكل يجب أن يوضع تحت سلطة كاميرات الرقابة التي زرعت في نوادي الكليات وحدائقها بمباركة من مسؤولين كبار يستعيذون بالرحمن من شيطان امرأة سافرة.. لكنهم لا يمانعون من إقامة علاقات سرية ومشبوهة خارج رقابة المجتمع.
في قضية الممثلة الألمانية تصور المالكي ومعه أركان حربة أنهم في مهمة مقدسة، تتطلب إصدار فرمانات سلطانية بطرد كل من سولت له نفسه السماح بعرض مسرحيات "فاسقة " فهم شطار في غلق الأبواب والشبابيك وإقامة الحواجز أمام النور والمعرفة والحياة المدنية، وفي الوقت نفسه هم أكثر شطارة في فتح كل الأبواب والشبابيك وهدم السواتر والحواجز أمام تهريب أموال الشعب.. رعاة للأخلاق ولكنهم مرضى بداء التحريض الطائفي.. لا يريدون أن يفهموا أنهم يمارسون مهناً عامة، وليس مهمات مقدسة لتطهير العراق من أقوام الشرك والضلالة.. هؤلاء متعتهم في تحويل البلاد إلى كهف مظلم، يريدون من الناس أن تنشغل بقرارات المالكي لنصرة " الفضيلة والعفة " كي لا يتذكر أحد في ظل هذه الحرب المقدسة.. ما حصل في صفقة أجهزة كشف المتفجرات.. ولا مصير الأموال التي نهبت في مشاريع وهمية.. ولا البراءة التي حصل عليها لصوص صفقات الأسلحة.. لأن العبث الذي انفجر في مشهد الممثلة الألمانية سيثبت أهمية إصدار قانون للأخلاق العامة.. ويبث الروح في قوانين الحملة الإيمانية.. لكن الغريب والعجيب أن كل هؤلاء الذين يشيعون ثقافة كراهية الحياة والجمال، يعيشون في بحبوحة، وأولادهم وبناتهم يستمتعون بكل متع الحياة في عواصم أوروبا.
أعرف قصصاً لمسؤولين غارقين بكل شهوات الحياة.. يأكلونها ويمضغونها بأموال حرام جمعوها من نشر ثقافة الطائفية.. وتكريس التخلف الاجتماعى ونشر لعبة الخجل، فمن من السهل أن تحكم شخصا إذا استطعت تسريب خوفه على أخلاق أفراد عائلته.. أو تشعره بأن الشيطان يحوم حول بيته، فرض السلطة على أخلاق الناس أول طريق للاستبداد.. ولهذا لم يجد مسؤولونا " الأفاضل " مخرجا لكل الأزمات التي تحيط بنا إلا في رفع سيف الفضيلة.. وإحياء خرافات الأخلاق الحميدة لكي يبرروا تحويل مؤسسات الدولة إلى مافيات تعمل خارج القانون.. يبررون السرقة والقتل والتزوير.. بل لا يرون في مفتش وزارة الصحة المتهم بصفقات فساد مذنبا، لأن رئيس الوزراء يرفض تنفيذ مذكرات الاعتقال ضده.. فالرجل أحد أعضاء حزب الحكومة..
والآن دعونا نسأل،هل يمكن أن تقطع هذه الدولة خطوة على طريق المستقبل ما دامت مشغولة بمشهد تمثيلي أكثر من انشغالها بمطالب المعتصمين وضحايا السيول.. متى يمكن أن يتقدم العراق؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا جميعا، ونحن نرى بلدانا نجحت في غضون سنوات قليلة أن تضع شعوبها على طريق الرفاهية.. لا نريد أن نصبح بين ليلة وضحاها مثل سنغافورة والبرازيل.. لكننا نريد فقط أن يذهب كل هؤلاء إلى متحف الكائنات المنقرضة.. لا نريد مجتمعا مثل اليابان أو كوريا الجنوبية.. فقط نريد زمناً لا نرى فيه صبياناً صفقوا لصدام وكتبوا المعلقات في مديحه.. لكنهم اليوم يريدون منا أن نعتذر عن حريتنا. |